د. محمد بن إبراهيم الملحم
هناك إرث مدرسي ثالث، هو أيضًا إرث مدرسي غير رسمي؛ باعتباره لا ينتمي إلى الملفات الإدارية والشأن الإداري، ألا وهو الكتب المدرسية والأثاث المدرسي. ربما يظن بعضكم أني أطالب بحفظها كلها. وهو ما لا أقصده، ولكن حتمًا لا بد من توافر متحف مدرسي لدى الوزارة، يضم عينات من هذه الأشياء عبر السنوات؛ لتخلد ذاكرة المدرسة. فأين الكراسي المستديرة التي كان يجلس عليها معلمو الستينيات والسبعينيات الميلادية؟ وأين أيضًا الطاولات الخشبية المتصلة بالكراسي؟ وأين السبورة الخشبية؟.. فكل هذه موجودات شهيرة في كل فصل، ينبغي أن يخلدها المتحف المدرسي، ويضيف إليها ما استُجد بعدها، كالسبورة الجدارية وكراسي الطلاب الحديد في الثمانينيات والتسعينيات التي استُبدلت مؤخرًا بالسبورات البيضاء وكراسي الفايبر، وما إلى ذلك. وإننا اليوم نطمح إلى أن نرى عينات من دفاتر التحضير القديمة ورصد الدرجات، وربما بطاقات التعريف الطلابية، وجدول الحصص الأسبوعي، وسجل الغياب، وتلك السجلات المدرسية القديمة التي ربما كان بعضها بطول نصف متر تقريبًا، وكذلك النماذج القديمة، واستمارات التخرج، والشهادات، وكروت سجل الجلوس، وغير ذلك من سجلات المدارس التي تخلد طريقة العمل وأساليبه وثقافته. لا تستغربوا أيها الفضلاء لو جاء يوم في المستقبل يتساءل فيه مثلاً جيل عام 2068 عن أشكال ملفاتنا التي نستخدمها اليوم لحفظ الأوراق، بل ربما تساءلوا عن أشكال كمبيوتراتنا التي نستخدمها اليوم، والتي ستكون قد انقرضت حينئذ، وما عاد منها إلا القليل، وربما لا تعثر حينها على من يعرف كيف يتعامل مع نظام ويندوز، أو يكتب بلوحة المفاتيح على برنامج اسمه وورد كما أكتب لكم هذه المقالة الآن!
ثم ينبغي أن تخلد ذاكرة الكتب المدرسية في خزائن خاصة بها في المكتبة الوطنية، أو في المتحف المدرسي. المهم أن يعثر عليها مَن يبحث عنها، لا أن تكون نسيًا منسيًّا وأثرًا غابرًا، لا سبيل إلى الوصول إليه سوى عن طريق أصحاب الفزعات من التراثيين الذين حفظوا هذه الإصدارات بالتداول بينهم كمقتنيات أثرية، أصبحت تُباع بأسعار خاصة في المعروضات المتحفية.. بل إني أرى أن توافر الكتب المدرسية (بكل إصداراتها) واجب لازم على جميع المكتبات الوطنية، سواء تلك العامة أو التابعة للجامعات؛ فيتوافر في كل منها هذه الإصدارات مفهرسة ومصنفة؛ ليسهل الحصول على أي منها.
أخيرًا أتساءل، وربما يتساءل معي كثيرون: لماذا وقعت المؤسسة التعليمية عبر السنوات الماضية في إهمال القيمة التاريخية لمبانيها ومرافقها في التصميم والتوثيق؟ ولماذا أهملت حفظ وثائق منسوبيها الرسمية؟! ولماذا لم توثق إنجازاتهم التعليمية والنشاطية؟ ولماذا لم تحفل بمقتنيات مدرستها فتحفظ ذاكرتها، وتوثق تطورها؟ هل يوحي هذا بشيء من عدم اعتزاز المؤسسة التعليمية بمنتجها عبر تلك السنوات؟ وهل يعكس ذلك مؤشرًا سيكولوجيًّا لنظرة هذه المؤسسة لذاتها؟!
لننقذ الذاكرة المدرسية أيها التربويون الشرفاء، وإن كنا تخلفنا عن ذلك سابقًا فلنبدأ اليوم أيها القوم.