أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذه الحلقة الأخيرة في السلسلة الخماسية التي أكتبها على أثر البيان الصادر من وزارة الخارجية السعودية يوم الأحد 23 من ذي القعدة 1439هـ وما تبعه من إجراءات رسمية صارمة، من لدن مقام حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد الأمين، رداً على ما صدر عن وزيرة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في المملكة بشأن ما أسمتهم الحكومة الكندية (نشطاء المجتمع المدني).
لقد جاء في البيان التأكيد على إمكانية إعمال المملكة العربية السعودية مبدأ المعاملة بالمثل - الجائز شرعاً، والمسلم به والمقر عرفاً عالمياً بين الدول قديمها وحديثها - متى ما تكرر هذا الموقف المناقض لكل الأعراف والمواثيق الدولية من قبل الحكومة الكندية، (وأن المملكة العربية السعودية وهي تعبر عن رفضها المطلق والقاطع لموقف الحكومة الكندية، فإنها تؤكد حرصها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بما فيها كندا، وترفض رفضاً قاطعاً تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية وعلاقاتها بأبنائها المواطنين، وأن أي محاولة أخرى في هذا الجانب من كندا تعني أنه مسموح لنا بالتدخل في الشؤون الداخلية الكندية).
لن يُعيي المملكة أن تجد ملفات ساخنة داخل الأراضي الكندية يمكن توظيفها ضد الحكومة الحالية، وجعلها ورقة ضغط تطرح للرأي العام الكندي والعالمي ولها مساس مباشر بحقوق الإنسان الكندي سواء أكان من نشطاء المجتمع المدني أو من طبقة الفقراء المعدمين الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ويستر عورتهم ويحقق أحلامهم في الحصول على بيت يسكنون إليه، ولكن ليس التدخل في الشؤون الداخلية هذا من منهجية وسياسة بلد الحرمين الشريفين مع من أساء إليها على غير وجه حق كائناً من كان فضلاً عن غيره، إلا أن بمقدورها- متى ما اضطرت إلى ذلك - التدخل السافر في الشأن الداخلي الكندي حال عاودت كندا فعلها المشين مرة ثانية.
إن من زار أو استقر به المقام سنوات من عمره في كندا أو غيرها من بلدان الغرب يعرف أن كثيراً من القيم والمثل المطروحة دستورياً والمتبجح بها إعلامياً تتكسر حين تنزل لأرض الواقع، ولا يمكن للحكومات إيجاد المبرر القانوني لوجود هذا الفارق الكبير بين ما هو مدون ومكتوب، وما هو معيش في واقع الطبقات الدنيا من المجتمع أو الإثنيات الدينية والعرقية أو غيرهما، ولذلك يجب هنا على كندا ومن على شاكلتها الوقوف عند المثل القائل (إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجارة).
إن الموقف السعودي لم يقف عند البيان وما تبعه من إجراءات رسمية صارمة بل أعقب ذلك كله ردة فعل شعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفِي المنتديات المحلية والعالمية تقف ضد التدخل الممقوت من قبل الحكومة الكندية في شأن بلادنا الداخلي، وهذا يعكس وعي الشارع السعودي، ويبرهن على تحقق الوطنية التي من بين أدلتها الكثيرة الموقف الواحد للحكومة والشعب إزاء التصرف الكندي المرفوض، رغم المحاولات المستميتة والجهود المتواصلة لاختراق الصف وخرق سفينة المجتمع من قبل جيوش الأعداء الإلكترونية، ولكن أنّى لهم ذلك، ونحن شعب متجانس متآخٍ نتراص مصطفين خلف قيادة حكيمة عازمة وحازمة، تدرك حجم التحديات، وتعلم صعوبات المرحلة، وتعي متطلبات المواجهة أياً كان نوعها ومحورها وميدانها، وتجيد فن التعامل مع تداعيات الأحداث القريب منها والبعيد على حد سواء.
إن من مواطن الفخر والاعتزاز للمواطن السعودي أن يستشعر العزة ويستلهم القوة ويعي حجم بلاده الحقيقي الذي بدل موقف واحد منه موازين القوى وجعل العالم كله ينصرف لتحليل وتشخيص الآثار المترتبة على هذا القرار السعودي المنصف الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال نقده أو نقضه لقيامه على أسس قانونية صحيحة وأعراف دولية صريحة، فكفوا أيها الجبناء عن الهراء والمزايدة التي لا يمكن أن تنطلي على أحد منا نحن الشعب السعودي، ولا سوق لها في عالم السياسة حتى مع من هم ينتظمون في الطابور الخامس فضلاً عن غيرهم. حفظ الله قيادتنا وأعلى كلمتنا، ودمت عزيزاً يا وطني وعيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير، وإلى لقاء والسلام.