بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد خبير اجتماعي أهمية العلاقات الطبيعية بين الناس، والألفة والصداقة والمودة، والبعد عن التحسس والتوجس والريبة والشك والخوف وعدم الكلفة، مشيراً إلى المشكلة المقلقة أن هناك نفسيات لا تحسن في علاقاتها إلا الشدة والحدة والتشكك والإثارة؛ وكأنها في ثكنة عسكرية. والسبب أن هذه الشخصيات لا يكون لها ظهور إلا أن تكون هناك بيئات محفزة للاضطرابات.
وبين د. خالد بن عبدالعزيز الشريدة أستاذ علم الاجتماع بجامعة القصيم أنه مع الأجواء الطيبة والودية والراقية تختفي هذه الفيروسات الإنسانية، وهذه الأنماط المتعبة تحب أن تنتهك ليس الخصوصيات فقط بل ربما تجرأت على النيات حتى الذي لا يعلمه إلا الله أصبحت بهيجان شيطاني تعلم ما تكن الصدور، (تقول لنفسها نعم إنه يقصد ويقصد ويقصد لتصل لأعماق عجيبة لم تدر بخلد أحد)..!!، حيث يريد البعض أن تضرب لكل ما يقول ويفعل التحية، وكأنك مجبور كما الجنود أن ترفع كفك إلى ما فوق حاجبك لتلقي له بالترحاب، كما أن هناك من يريد أن تضرب له صدرك بالقبول لما يقول كما يضرب الجند التحية لمن هم أعلى منهم رتبة..!!
ويؤكد د. الشريدة أن عسكرة الحياة مفهوم يعزز مشكلة الارتياب على حساب مفهوم الطمأنينة في الارتباط، وقد تجد من ابتلي بهذا المسلك المتعب من قراباتك أو معارفك ومن زملاء العمل أو من تشاركهم في وسائل التواصل وغيرهم، محدداً - في الوقت نفسه - أبواب العسكرة في: من قد يثير كلاماً يريد منه التقليل من مكانتك أو التشكيك في سمعتك، ومن يعلق على أغلب الطروحات في القروبات وكأنه وصي على كل كلمة ومسؤول على أن يتوافق كل ما يطرح مع ما يظن أو يرغب، وهناك من يعلق على كل شيء ويفسر المقاصد بطريقة لا تخطر على بال أحد حتى يمل المشاركون من المجموعة وربما يبقون مجاملة لا رغبة. وهذه النوعية من العلاقة والارتباط تخالف طبيعة ورقة الحياة الاجتماعية، ويمل منها الأريحيون. وهناك من قد يكون في قلبه غل وحسد فيظهر بمظهر الوطني المخلص ثم يتحدث عن آخرين مقللاً من شأنهم أو مشككاً في نياتهم كي يسقطهم من حسابات معينة، وهناك من طبيعته الشدة في تكوينه لأسباب أسرية أو تربوية أو ظروف معيشة فيعامل الناس كما تم التعامل معه، وكأننا مسؤولون عما حدث له أو كنا سببًا في منغصات حياته فيريدنا أن نكون كذلك مثله. وكل من تبنى هذا المفهوم هو في الحقيقة يضيق على نفسه ويجعل التكلف أصلاً في التعامل معه..!! والنتيجة تجد صعوبة في أريحية التعامل معه وأشكاله، وهناك أبواب أخرى من العسكرة سواء في تعاملات الوالد مع أولاده بحيث يشعرون بأنه رقيب على كل حركة وسكون..!! والنتيجة أن يتعامل الأولاد معه بغير الحقيقة بل يتكلفون له الكذب وخلق المعاذير، ومن ذلك التجسس والتوجس في العلاقات بين الأزواج (ورغبة البعض أن يطلع على كل رسالة تصلك) حتى أصبحت من أبرز أسباب الانفصال والدمار الأسري..!!، ولكل مستوى من المستويات تعاملات عسكرية مثيرة ومسيئة وجوانب لا تخفى على أصحاب الحس الاجتماعي سواء بين الموظفين أو غيرهم.
وقال أستاذ علم الاجتماع، ليس هناك أجمل من بث روح الودية والصفاء مع مختلف العلاقات، وهذه يؤكدها مؤشرات عديدة أهمها أن تشعر بالحديث مع غيرك وكأنك تتحدث مع نفسك. وإذا كان الود والبر مطلوب في التعامل مع من نختلف معه في الدين فكيف بمن هو من دينك وقرابتك وصحبتك {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]
وتابع القول: وحتى ننتهي ببشارة لمن لم يبتل بهذا المرض أحب التأكيد بأن نسبة كبيرة من مكونات الراحة كما تؤكدها دراساتنا النفسية والاجتماعية هي ترك الناس يعملون على طبيعتهم ويبادلونك مشاعر الرضا والثقة؛ لأن الشعور بالأمان (بالتعامل) هو أرقى ما يتطلبه الإنسان.
وأضاف د. خالد الشريدة أن المشكلة التي تتبع طبيعة العسكرة في العلاقات هي أن هناك سلسلة من الظنون السيئة المتوالية والمتتالية التي تحاول أن تؤكد ما ليس له تأكيد أو تكذب ما حقه التصديق، وكل ذلك نابع من إشكالية الجندي الداخلي الذي لا يقبل إلا أن تلقي له التحية رافعًا يديك وربما رجلك كما العسكر حتى ولو كنت أحق بها منه، مختتماً حديثه بالقول: العسكرة أصلها لحفظ الأمن وليس لبقاء الحب والود، فهل يعي المعسكرون لعلاقاتنا ذلك. جعل الله كل علاقاتنا ودية حبية خيرية تقرب بيننا المسافات وتبعد عنا كل ما لا يليق من أفعال وأقوال وسلوكيات.