أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: روى وضاعٌ كذوبٌ اسمه (الوليد بن محمد الموقري): عن الزهري: أنه قال: قدمت على (عبدالملك بن مروان)، فقال: من أين قدمت يا زهري؟.. قال: قلت: من مكة.. قال: فمن خلفت يسودها وأهلها؟.. قال: قلت: (عطاء بن أبي رباح).. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قلت: من الموالي.. قال: فبم سادهم؟.. قال: بالديانة والرواية.. قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا.. قال: فمن يسود أهل اليمن؟.. قال: قلت: (طاووس بن كيسان).. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قال: قلت: من الموالي.. قال: فبم سادهم؟.. قال: قلت: بما ساد به (عطاء).. قال: إنه لينبغي ذلك.. قال: فمن يسود أهل مصر؟.. قلت: (يزيد بن أبي حبيب)..[قال أبو عبدالرحمن: خانت الكذوب ذاكرته، فذكر (يزيد) ههنا وليس من طبقتهم].. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قال: قلت: من الموالي.. قال: فمن يسود أهل الشام؟.. قال: قلت: (مكحول).. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قال: قلت: من الموالي عبدٌ نوبي أعتقته امرأةٌ من هذيل.. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟.. قال: قلت: (ميمون بن مهران).. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قال: قلت: من الموالي.. قال: فمن يسود أهل خراسان؟.. قال: قلت: (الضحاك بن مزاحم).. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قال: قلت: من الموالي.. قال: فمن يسود أهل البصرة؟.. قال: قلت: (الحسن البصري).. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قال: قلت: من الموالي.. قال: ويلك؟!؛ فمن يسود أهل الكوفة؟.. قال: قلت: (إبراهيم النخعي).. قال: فمن العرب أم من الموالي؟.. قال: قلت: (من العرب).. قال: ويلك يا زهري فرجت عني؛ والله ليسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لهم على المنابر والعرب تحتها.. قال: قلت: يا أمير المؤمنين إنما هو دينٌ من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.
قال أبو عبدالرحمن: وعلق أستاذي الدكتور (بشار عواد معروف) حفظه الله على هذا النص من (تهذيب الكمال) للمزي بقوله: ((هذه الحكايات من وضع الشعوبية أعداء الإسلام.. يدسون السم بالدسم، وراويها (الوليد بن محمد الموقري) مولى لبني أمية [وهو] متروك.. كذبه يحيى بن معين، وغيره.. وضاعٌ، وأمره بين في الضعفاء)).. ونقل الدكتور بشار تعليقاً على بعض النسخ الخطية من كتاب (تهذيب الكمال) بأن ذكر (يزيد بن حبيب) غير وارد؛ لأنه لا ذكر له في ذلك الزمن بين أولئك الفضلاء الذين ذكر الراوي الكذوب سيادتهم في الأمصار بفقههم في الدين، وجعل ذلك دليلاً على تزوير القصة وتلفيقها.
قال أبو عبدالرحمن: (عبدالملك بن مروان) رحمه الله تعالى من العلماء لولا أن الخلافة شغلته، وهؤلاء العلماء من رعيته الذين يرجع إليهم في الفتوى؛ فكيف يجهل أنساب وأحوال هذه القمم من أبناء رعيته؛ وهو يعلم أنهم تلاميذ الصحابة، وكبار التابعين رضوان الله عليهم، ويعلم ثانية بتوجيهه هو، وتوجيه أسلافه: أن العرب يومها هم مادة الإسلام، وهم المؤتمنون في المرابطة على الثغور وقمع البغاة [؛وهم] وأهل العلم من العرب ينتفع بهم إخوانهم العرب في الثغور والجهاد؟.. وفي النهاية فأولئك الموالي النبلاء الفضلاء هم تلاميذ العرب من الصحابة وكبار التابعين رضي الله عنهم من العرب.. ويدلك على مبلغ الخليفة عبدالملك من العلم، وعلمه باتجاه العلماء من رعيته: رسالته التي بعث بها إلى الحسن البصري [ ؛و(الحسن) من الذين ذكرهم الموقري الوضاع] عن ضرورة إرجاع المتشابه من القرآن إلى المحكم، وهي مخطوطةٌ ذكرها مركز الدراسات الإسلامية بفهرسة مصنفات التفسير الصادر عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف نقلاً عن الفهرس الشامل الصادر عن المجمع الملكي بالأردن.
قال أبو عبدالرحمن: هؤلاء الأئمة الأعلام مهما كان نسبهم يتقربون إلى الله بمحبتهم عامة العرب من زعيم ووجيه وعادي؛ بل لهم هيبتهم في القلوب، وميزانهم ثقيل في الأمة قيادةً ورعيةً، وإلى لقاء إن شاء الله تعالى السبت القادم، والله المستعان.
كتبه لكم:
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل)
- عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -