د. محمد الرميح
لقد أمرنا ديننا الحنيف بالاعتناء بالطفل منذ نشأته وولادته فيقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيِّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيِّتِهَا».
يعد الخلع الوركي الولادي لدى الأطفال (Developmental dysplasia of the hip) من أهم المشاكل الشائعة لدى الأطفال، فمن المعروف أن مفصل الورك يتكون من عظمتين هما التجويف الحقي والطرف العلوي لعظمة الفخذ المسمى برأس عظمة الفخذ، وفي الوضع الطبيعي تكون هاتان العظمتان متقاربتين بعضهما من بعض ويزيد استقرارهما ومحافظتهما على ذلك الوضع الأربطة والعضلات امحيطة بهما أما في حالة الخلع الولادي يخرج رأس عظمة الفخذ من التجويف الحقي.
هناك تقريباً حالة واحدة من كل عشرين ولادة طبيعية مصابة بصورة معينة من التقلقل الوركي، وهناك 2-3 حالات لكل ألف حالة تتطلب علاجاً. ففي المملكة لا توجد إحصاءات دقيقة عن مدى نسبة حدوثه أو انتشاره ولكن هناك دراسة مستعرضة نشرت في عام 2002م في مجلة (West Afr J Med. 2002 Jul-Sep;21(3):218-22 ) في مستشفى عسير المركزي بمدينة أبها والتي شملت حوالي 300 حالة من الأطفال المصابين بالخلع الوركي بين عام 1996 إلى عام 1999م. وتبيّن أن نسبة الإصابة به حوالي 3.5/ 1000 مولود وتقريباً حوالي 32.4 % من المواليد شخصوا في أول 6 شهور من الولادة وبلغت نسبة المواليد الذكور إلى الإناث (1.3 :6)
وفي دراسة أخرى أجريت في مستشفى الملك خالد الجامعي بمدينة الرياض عام 1996 م على حوالي 600 من الأطفال السعوديين المصابين بالخلع الوركي وكان قد تم تشخيص بعضهم في عمر متأخر وكان الهدف من الدراسة معرفة طبيعة وأنماط الإصابة بالخلع الوركي الولادي بين المواليد السعوديين..واستمرت متابعة جميع الحالات إلى 5 سنوات. وأسفرت النتائج من هذه الدراسة: أن وجود التاريخ العائلي، وولادة الطفل متخذاً وضعية الجلوس، واستخدام المهاد للطفل يزيد من مدى الإصابة بالخلع الولادي بين الأطفال السعوديين، فلذلك أوصت الدراسة ونشرت في مجلة (Saudi Med J) عام 2003م بضرورة وجود برنامج مسح وطني في المملكة للحد من الإصابة به.
والتدخل العلاجي يختلف بحسب عمر الطفل وقت الإصابة به فيكون إما بالعلاج التحفظي أو التدخل الجراحي، فالعلاج التحفظي يكون إذا كان عمر الطفل وقت اكتشافه وظهور أعراضه (من شهر إلى 6 أشهر) باستخدام جهاز بافليك (Pavlik harness)، حيث يحتفظ على وضعية التبعيد 45 درجة والعطف 90 درجة بالإضافة إلى عمل جبيرة جبسية للورك (Hip Spica Cast) ويفضل عملها داخل غرفة العمليات وذلك لأخذ أشعة مصورة لمفصل الورك (Hip Arthrogram) أثناء وقت عملها للتأكد مع عملية رد الخلع وتثبيته . أما التدخل الجراحي فيكون إذا كان عمر الطفل وقت اكتشافه (سنة أو أكثر)، وأيضاً إذا كان الخلع في كلا الوركين مما يحدث إشكالية كبيرة في عملية مشي الطفل، فإذا لم يعالج الطفل في وقته فقد يترك عدة أثار على الطفل من أهمها: العرج في المشي واستمراره، اختلاف في الطول بين الجهة المصابة والسليمة مما يستدعي استخدام الطفل أجهزة وأحذية طبية لتعويض الفارق في النقص، إضافة إلى ذلك فأنه يزيد من احتمالية الإصابة بالاحتكاك وتنخر العظم في سن مبكرة.
ولذا التدخل الجراحي يعتمد على عدة عوامل أهمها: أولاً: مقدار درجة الخلع (إما باستخدام الأشعة السينية أو الأشعة الصوتية)، حيث توجد عدة علامات تبيِّن مقدار الخلع وشدته، ثانياً: عمر الطفل وقت العملية؛ فالعمر المناسب لإجراء الطفل العملية يكون في السنة الأولى من الإصابة فإذا زاد عمر الطفل وتأخر في التشخيص تزيد العملية صعوبة وتزيد نسبة فشلها ونسبة مضاعفاتها، حيث لا يفضل عملها بعد عمر الثامنة إذا كان الخلع في كلا الوركين أو عمر العاشرة إذا كان الخلع في جهة واحدة. ولهذا ينصح جميع الأسر الذين لديهم تاريخ عائلي للخلع الولادي بضرورة إجراء الفحص المبكر لأطفالهم مما يسهم في الوصول إلى نتائج مرضية وإيجابية والحد من مضاعفاته عند تأخر التشخيص.
وفي الختام؛ نسأل الله لنا ولكم السلامة من كل شر والوقاية من كل مرض وأن يحفظ أطفالنا جميعاً من كل مكروه.
... ... ...
الملحقات
> في هذه الصورة: يتبيّن الفرق بين مفصل الورك الطبيعي (يسار) ومفصل الورك عند حدوث الخلع (يمين)
> في هذه الأشعة: تبين وجود خلع للورك في الجهة اليسرى مع بقاء الورك في الجهة اليمنى في حالته السليمة
> جهاز بافليك (Pavlik harness)
> جبيرة جبسية للورك ( Hip Spica Cast )؛ حيث يفضل عملها في غرفة العمليات وذلك لأخذ أشعة تصورية لمفصل الورك وقت عمل الجبيرة للتأكد مع عملية رد الخلع