*احتطبا*
روى الإمام البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلين أتيا رسول الله عليه الصلاة والسلام فسألاه فقال: اذهبا إلى هذه الشعوب، فاحتطبا فبيعاه، ثم جاءا فباعا، فأصابا طعاماً ثم ذهبا فاحتطبا أيضاً فجاءا، فلم يزالا حتى ابتاعا ثوبين، ثم ابتاعا حمارين، فقالا: قد بارك الله لنا في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويُستفاد من هذه الوثيقة النبوية أن التوجيه إلى عمل محدد له تأثير كبير في تشغيل العاطلين، لأنه قد يرى أنه لا يصلح أحدهم للعمل، أو لا يوجد عمل ملائم لهم، لكنهم حينما يُوجَّهون إلى عمل محدد ملائم لهم، سرعان ما يشتغلون، وهذا ما ظهر لمن أرشدهما عليه الصلاة والسلام إلى عمل محدد.
*أما في بيتك شيء؟!*
روى الإمام أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رجلاً من الأنصار أتى النبي عليه الصلاة والسلام يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟!. قال: بلى. حِلْس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقَعْب نشرب فيه الماء. قال: ائتني بهما فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال مَنْ يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: مَنْ يزيد على درهم؟! مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوماً فأتني به. فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب، وبع لا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء، وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنَّ المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع.
يقول أحد الباحثين تعليقاً على هذه الوثيقة النبوية: والمثير للعجب والدهشة في هذه القصة أنَّ الحلس والقعب وهما من أخص ضرورات البيت آنذاك رأس المال الذي موّل الرسول عليه الصلاة والسلام بثمنها ما يتطلبه العمل من أدواته بعد تأمين الأسرة على ضروراتها العاجلة من الطعام. كما لم يكتف رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم بمجرد التوجيه والتوصية، ولكنه إلى جانب ذلك قدَّم مجهوده وخبرته فشارك في نسج الخطة التي يبتدئ بها حياة العمل والكفاح والاستثمار، فأعد له القدوم بيده ووضع له ضوابط العمل ليأتي بثماره المرجوة من حشد طاقاته للعمل المتاح.
*إن جاءني جائع أو عاطل!!*
وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه يودع أحد نوابه على بعض أقاليم الدولة، فقال له: ماذا تفعل إذا جاءك سارق؟! قال: أقطع يده. قال عمر رضي الله عنه: إذاً، فإن جاءني جائع أو عاطل، فسوف يقطع عمر يدك. إنَّ الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم. فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها. يا هذا إنَّ الله قد خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
وبتحليل هذه الوثيقة نستخلص اهتمام الدولة بتحقيق التقدم الاقتصادي والتنمية من خلال توفير الأمن الغذائي (إن الله قد استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم)، والأمن النفسي والبدني (ونستر عورتهم، والأمن الاقتصادي (ونوفر لهم حرفتهم)، كما نلمس اهتمام الدولة بمشاكل البطالة (إنَّ الله قد خلق الأيدي لتعمل).
*لماذا رضيت أن تكون الطائر الكسيح؟!*
ورد أن شقيقاً البلخي ذهب في رحلة تجارية يضرب في الأرض ويبتغي من فضل الله، وقبل سفره ودّع صديقه الزاهد إبراهيم بن أدهم، حيث يتوقع أن يمكث في رحلته مدة طويلة. ولكن لم تمض إلا أيام قليلة حتى عاد شقيق، ورآه إبراهيم في المسجد، فقال له متعجباً: ما الذي عجل بعودتك؟ قال شقيق: رأيت في سفري عجباً، فعدلت عن الرحلة. قال إبراهيم: خيراً ماذا رأيت؟ قال شقيق: أويت إلى مكان خرب لأستريح فيه فوجدت به طائراً كسيحاً أعمى، وعجبت وقلت في نفسي: كيف يعيش هذا الطائر في هذا المكان النائي؟! وهو لا يبصر ولا يتحرك، ولم ألبث إلا قليلاً حتى أقبل طائر آخر يحمل له الطعام في اليوم مرات حتى يكتفي، فقلت: إنَّ الذي رزق هذا الطير في هذا المكان قادر على أن يرزقني، وعدت من ساعتي.
فقال إبراهيم: عجباً لك يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى الكسيح الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترض أن تكون الطائر الآخر الذي يسعى على نفسه وعلى غيره من العميان المقعدين؟!. أما علمت أنَّ اليد العليا خير من اليد السفلى؟!!.
فقام شقيق إلى إبراهيم وقبّل يده وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق. وعاد إلى تجارته.