فهد بن جليد
وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن هذه الجريمة، فقد ثبت علميًا ضعف تركيز مستخدميها بنسب كبيرة نتيجة القراءة السطحية، على طريقة «تلَقُّط العناوين» وعدم فهم المحتوى بشكل كافٍ وصحيح، كبديل «سريع» لتشكِّيل الآراء وردود الأفعال والتعليقات بما يتناسب مع إيقاع الحياة العصرية، وهو ما سبَّب عدم فهم مُقتضيات الأمور وبواطنها في كثير من الأحداث والأخبار والمعلومات والرسائل التي نتلقاها عبر هذه الوسائل، فالتركيز يقل عندما تكون مجبرًا على الرد باستخدام البريد الإلكتروني بشكل فوري وسريع، ويقل أكثر عندما نتحول للتواصل عبر الهواتف الذكية، وربما «ينعدم» في بعض اللحظات عند التعاطي مع الكم الكبير والهائل من المعلومات والرسائل المتبادلة والمتدفقة عبر برامج التواصل الاجتماعي، وهو سر «التشتيت الذهني» الذي يعاني منه معظمنا اليوم على ذِمَّة الموقع الأمريكي Rxlist، ويمكنك اختبار ذلك بنفسك، من خلال إغلاق هاتفك الذكي فورًا، ومحاولة استذكار وإعادة طرح ما تلقيته وبقي عالقًا في ذاكرتك.
النسبة الأكبر من أبناء «الجيل الجديد» حول العالم بمُختلف ثقافاتهم، يرونَّ «تصفح الورق» جهل في ظل وجود منصات رقمية لتبادل المحتوى، إلا أن دراسات مُضَّادة كتلك التي نشرتها «الواشنطن بوست» تتهم وسائل التواصل الاجتماعي بنشر الجهل، لأنها لا تقدم «محتوى كامل» عندما يتم تبادل قشور المعلومات، والأحكام المُعلَّبة، بدلاً من الفهم، مقارنة مع «جيل الورق» الذي كان يبني ثقافته، ويغني معلوماته، في طريقه للبحث عن معلومة ومحاولة فهمها بقراءة صفحات من الكتب والمجلات والصحف بشيء من التمعن، الذي يُضيف ثقافة رديفة ومعلوماتية لا يملكها «المتلقون الجُدد»، مع انخفاض نسبة القراء في العالم من 60 في المائة في سبعينيات القرن الماضي، إلى أقل من 30 في المائة، والنسبة مرشحة للانخفاض أكثر مع التطور الجديد والحالي الذي تشهده منصات و»مواعين» المعرفة.
القيام بأكثر من مهمة في «المنزل، المكتب، الشارع» أثناء تلقي المعلومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سبب رئيس في فشل التركيز عليها أو فهمها بالشكل الصحيح والكافي، ولعل تسربها في سياق تتبع تفاصيل «حياة الآخرين» من حولنا سبب آخر لهذا الضعف، بل التأثير السلبي على المنطقة الرمادية في «مخ الإنسان»، فيما يشبه اغتيال الذاكرة والتركيز في «آن واحد».
وعلى دروب الخير نلتقي.