محمد آل الشيخ
كنت ومعي كثيرون من الكتاب الوطنيين غير المؤدجلين، لدينا كمُّ من المواضيع التي نجد الكتابة عنها والمطالبة بها ضرورة وطنية، وكانت هذه المواضيع تتزاحم في أذهاننا؛ أما الآن فكثير من زملائي الكتاب يوافقونني أن هذه المواضيع اضمحلت، وكادت فعلا أن تتلاشى في هذا العهد السلماني الزاهر.
في الماضي كان كثيرون يصرون على أن المواطنين السعوديين يرفضون ما تطالبون به، وأن التغيير المفاجئ وغير المتدرج سيكون له ردود أفعال اجتماعية خطيرة على الأمن والاستقرار واللحمة بين مكوناتنا الاجتماعية. غير أن ما حدث خلال الثلاث سنوات الماضية من تغييرات، وتقبل الأغلبية الكاسحة من السعوديين لهذه المتغيرات، أثبت ما كنا نقوله ونكرره، إنها سياسة الحزم والقبضة الفولاذية، التي هي في المرصاد لكل من يزايد ويأبى التقدم خاصة في السلوكيات الاجتماعية، غير آبه بتنمية الدولة وتقدمها، فالقائد الرائد لا يهادن الانتهازيين المتمصلحين من وضع الجمود والثبات، فاختلقوا عوائق وعقبات في طريق الرقي والتقدم. إما بحجج دينية أو التذرع بالعادات والتقاليد.
الملك سلمان كان منذ شبابه وهو أمير للعاصمة، التي تعتبر نموذجا مصغرا لكل التيارات والتوجهات الدينية والثقافية والسياسية، الحضرية منها والقبلية في الوطن، فهو الذي عاصرها، وعاصر تطوراتها عن كثب، فقد كان في منصبه ذاك مطلعا على كل القضايا والأحداث وردود الأفعال بمختلف تنوعاتها، ما جعله فعلا يعرف كل شاردة و واردة فيها، ومرت عليه من التجارب والقضايا ما جعلته مع الزمن خبيرا بها، ويأبعادها، وغايات الجميع، المغرضين وذوي الاستقامة والصلاح، وخاصة أولئك الذين كانوا يبحثون لهم على حساب الأمن والاستقرار عن موطئ قدم يصلون من خلاله إلى طموح سياسي أو سطوة وحظوة، أو مال وثروة، لذلك اتخذ ومعه ولي عهده من القرارات الصارمة والقوية ما كان كثيرون يعتبرونها في الماضي شبه مستحيلة إذا لم تكن مستحيلة فعلا كما كانوا يتوهمون، بشجاعة وجرأة لا تعرف التردد، وصرامة لا يخالجها الخوف.
ومن يقرأ تاريخ الرواد وأسلوبهم في تصحيح وإصلاح مسارات الأمم وسلوكياته الخاطئة في مجتمعاتهم، سيجد بوضوح أن أهم ما يميزهم أنهم يقفون في (الأمام) ويقودون شعوبهم، حتى بالقوة إذا تطلب الأمر نحو التقدم والتحضر، ولا ينتظرون أن يقتنع المجتمع ليتغير؛ وأهم مثال على ما أقول سيرة المؤسس الملك عبدالعزيز، فقد فرض كثيرا من التحديثات فرضا، وبالقوة إن اضطر، والتاريخ يثبت ما أقول، منذ (البرقية) وقصة فرضها، وكذلك التعليم المنهجي في المدارس، وانتهاء بحرب السبلة، التي أنهت التمرد وحجج المزاودين على الدين؛ ومن يقرأ تاريخنا يجد كثير من القرارات لم تحظ عند إقرارها بشعبية، لعل أهمها على الإطلاق تعليم المرأة، التي لاقت حينها معارضة شعبية كبيرة، أما الآن فأصبح من كان آباؤهم يرفضون تعليمها، لا يمانعون من ابتعاث بناتهم لنيل العلم في الخارج.
والملك سلمان لمن يعرفه على حقيقته، يُعرف أنه أحد أهم المراجع في تاريخ المملكة، وبالذات تاريخ الملك عبدالعزيز، لذلك تعلم أن تطوير هذه البلاد بعد توحيدها يحتاج إلى حزم وعزيمة، إضافة الى (القوة)، التي لا يكتنفها التردد الذي إذا استحوذ على القائد سلبه أهم نقاط قوته وقدرته على الحكم وقيادة المجتمع إلى ما يجب أن يكون عليه. وهو وكذلك ولي عهده، وساعده الأيمن الأمير محمد بن سلمان، لا يفرقون بين فئة وأخرى في المجتمع، ولا بين كبير أو صغير، فهيبة الدولة وعدم التطاول عليها، وعلى قرارتها الاستراتيجية، هي لديهما قضية جوهرية مبدئية، لا يساومون عليها ولا يتنازلون عنها لأي أحد كائنا من يكون.
وختاما أقول: القوة لا بارك الله في الضعف ولا التردد، فهي الأيقونة الأهم في ميكانيزمات مملكة سلمان الجديدة.
إلى اللقاء