عبده الأسمري
بدأت الحياة الآدمية بالخطيئة التي ستظل جزءًا لا يتجزأ من الأزمنة والأمكنة.. الإنسان بطبيعته متعلق بالميول والاتجاهات تحكمه الفطرة وتهذبه العقيدة وتسكنه التجربة.. يقتوي بعز مؤقت ويضعف بمرض عابر..
تقود الخطايا باختلاف درجاتها ومستوياتها ومجالاتها الإنسان إلى طرفي معادلة من التعلم والاعتبار والتمرس والاستمرار فهو ما بين تائب متغير ومخطئ ثابت في حين أن تلك الخطايا إما أن تندرج تحت طائلة العقوبات ولائحة الأنظمة وفق الأحكام الشرعية في حالة الأخطاء المتعلقة بالتعدي على حدود الله وعلى الآخرين. أو أن تكون أخطاء شخصية تبقى في دائرة الذات ومساحة الخصوصية..
في معترك الحياة ومعارك التجارب وخضم المعيشة قد يظل المخطئون في عزلة عن التصحيح نتيجة الجهل الشخصي أو التجاهل المجتمعي وحتى في حالة غياب النصح أو توجيهه بطرق خاطئة قد تزيد من معدلات الأخطاء أو قد توقع «المخطئ» في خطايا جديدة أو مبتكرة.
الخطايا دائرة سوء تحيط بمرتكبيها سواء في حالة الجنايات أو تجارب الفشل أو سوءات الذات لذا فإنها تؤثر في المحيط الاجتماعي بالشخص وكذلك في شخصيته وشخصية المقربين منه لذا تظل مرتبطة بالمثيرات والاستجابات والسلوك والتعامل والتجربة والنتيجة.
في ظل ذلك فإن الدين النصيحة وأن النصح جزءٌ من كينونة التعاون وكيان الإعانة من مؤسسات وشرائح المجتمع باختلاف مهامها وأطيافها.
لدينا أزمة أزلية تتعلق بالنصح ابتداءً من محيط الأسرة مرورًا بالمدرسة وانتهاء بكل مواقع العمل أو ميادين العيش..
خرج الوعظ عن مساره كثيرًا في سنوات خلت فرأينا النتائج بائسة جدًا.. وشاهدنا مخرجات فاشلة جعلت الخطايا في تزايد وسط معدلات نادرة من النجاح والخروج بسلام من عمق أزمة التجارب.
في القرآن الكريم توجيهات إلهية عظيمة مملوءة بالحكمة والتدبير والتخطيط العظيم في مواجهة الخطايا ومقابلة السوء وتوجيه الإنسان إلى الدرب السليم والمسار الأسلم للاستفادة من تجربته مع التعلم منها في حين وجه القرآن بأهمية النصح وضرورة التوجيه بشكل إستراتيجي من قبل المعنيين بالموعظة وصبها في قالبها الصحيح من الحسنى بطرق عقلانية وفكرية تسهم في تحويل متاهات الأخطاء إلى معالم للعطاء وإلى استخدام احترافية التروي والصبر وإيجابية التغيير والتغير.
في سنوات مضت مر الوعظ بحالة متجمدة من التوجيه المقترن بالوعيد والتهديد وارتبط التفكير بالتكفير في بعض مضامين رسائل النصح وقد استغل بعض المفتونين بالتشدد مجالس الأصدقاء ومواقع الأصحاب والمنابر المجانية والقنوات المفتوحة لتكون نقاط وبيئات حاضنة لنشر تطرفهم الجامد إزاء الأخطاء وتصرفهم الذاتي حيال الموعظة فخلت تلك المناسبات من التوجيه وحولت الخطايا إلى بؤر من الضياع يظل صاحبها في حالة استسلام للذنوب وإذلال للمعصية... ثم تطور خطاب النصح بعد أن ارتفع مستوى الوعي الديني والاجتماعي وتعالى صوت الوسطية وسطوة نداء الاعتدال حيث اختفت الصيحات والاستهجانات وغابت ويلات الثبور وصرخات عظائم الأمور وتلاشت خطابات الرعب والذعر التي كانت توزع الإحباط وتنشر الخوف وتثير الفشل في كل الاتجاهات فنشأت لدينا أجيال تواجه الخطايا بسلوكيات متزنة تؤول إلى كوارث لاحقة قد ترمي بصاحبها في دائرة «اللاسواء» وغياهب «المرض النفسي» وظلام «الاعتلال الاجتماعي».
وأمام فتن تتربص بنا وبأجيالنا القادمة ووسط مخطئون بيننا ينتظرون خارطة واضحة تخرجهم من الظلام للنور يجب أن يكون هنالك تدريب وتهذيب في كل مواقع ومناسبات النصح والتناصح تعتمد على النواحي النفسية والسلوكية للفئات المستهدفة لتلك الرسائل مع ضرورة أن يتم عقد ورش عمل وندوات حول آليات الوعظ وطرائق التوجيه وسبل الإرشاد ومعاني النصح وإيجاد برامج فعلية في مراكز الإحياء والمدارس وكذلك في برامج التأهيل النفسي والاجتماعي بالسجون ودور الملاحظة والتوقيف.. على الأسر أن تغير بوصلة الاهتمام من تصيد الأخطاء إلى معالجة الخطايا.. وكذلك يجب على المؤسسات وأئمة المساجد وكل مسؤول معني بالنصح كلا في موقعه أن يركزوا على الجوانب النفسية والاجتماعية وأن يكون خطابهم ساميًا راقيًا فاعلاً يرسم الإنسانية ويوطد العون ويوظف الموضوعية حتى يعم النفع وتنتشر الفائدة بكل تفاصيلها وموجباتها واتجاهاتها.