د. خيرية السقاف
إذا كان النسيان آفة؟
فالعقل إذن ينقرض كما تنقرض الشجرة, والثمرة حين تُصاب بالآفة !!..
وقد قيل إن صفة الإنسان من النسيان؟!
إذن فالإنسان كائن انقراضي؟!
ليس بالموت فله أجله المقدَّر بدءاً, وانتهاءً..
ثم, إنه يقال بأن النسيان «نعمة», نظير كبدِ الإنسان, وقلة حيلته حين الكُرب, والخيبات, والمحكات المكيدة له؟!..
أولا يكون من ثمَّ نقمة هذا النسيان في آن ؟!..
إن نزل بالإنسان إما يشقيه داءً, أو ينعمَّه دواءً ؟!
إذ بعضٌ من الآفات بلاسم, مع أن أكثرها أدواء!..
ومنها أيضاً ما يترك أثره فيمن ينزل به ثم لا يبقى, ومنها ما يقضي عليه ولا يفنى فيه!!..
إن النسيان نتيجةٌ, حين يفتح المرء نوافذه للانعتاق, للخروج من أعناق الزجاجات,
للانطلاق خارج جسد الخيبات, للتحلّل من التراكمات, للتحرّر من الأكبال,
للتحليق بعيداً عن طمي البراكين, وحمم الفوَّهات القارسة..
وإن النسيان عزيمة, حين يقفز المرء به فوق موج التَّردي, ويعلو عن بؤر السقوط..
وهو مآلٌ رحبٌ لساقية العقل حين يكون نجعاً للوعي, ودرباً للقرار..
وهو طاردٌ لبثور, ومنثور, وذرات الفشل, والدَّكن, والظلمة, والبقايا غير الصالحات..
بلى, النسيان كريات بيضاء تُسوِّر الجروح المؤلمة, وتُحبِط الإيغال المغرِق حين يكون الجرح فكرة, وألمه مدارها فتُقْسر المدارك على أن تعي غير الذي يوهن, وتبحث فيما يُقيم, وتنفض ما يُعيق, وتتجه ببوصلةِ فكرةٍ مُشرقة مضادة نحو فنارات النجاة, ومسلك سُبل الخلاص..
لكنه مكسور الجناحين هذا النسيان حين يقصد القلب من الإنسان فيعجز أن يأتيه من باب, أو من نافذة..
فلا يسوِّره, ولا ينزل به, ولا يقوى عليه..
فقلب المرء القوة فيه تمد, والنبع فيه يرفد, والجدول منه يسقي, والعين فيه تُبصر..
هو صحة المرء لا توهن, وإن وهنت الأعضاء المتحرّكة فيه كلها!..
وهو البصيرة فيه لا تترمد وإن ترمدت كل أجزائه بفعل الطبيعة, وناموس الحياة, والعجز, والأجل الذي لا يُردُّ !..
هذه المضغة في المرء عصية على كائن النسيان!
داءً كان, أو دواءً..
أوَ ليس القلب هو النابض بالروح فيه, الساكت بهجوعها؟!..