عبدالعزيز السماري
أصبح التعليم ضرورة لا يمكن تجاوزها في حياة الإنسان. والإنسان المتعلم أكثر تطورًا ووعيًا من الإنسان غير المتعلم. وقد يختلف البشر في أي وسائل التعليم أكثر جدوى، لكنهم يتفقون في هذه المرحلة على أن العلم والمعرفة للجميع أصبحت هدفًا أساسيًّا في مختلف خطط التنمية في العالم، والمجتمعات الأكثر تعليمًا وتأهيلاً أكثر قدرة على العيش في سلام، والإنسان المتعلم لا يستسلم، ويبحث عن الأمل في مختلف الاتجاهات.
لا يمكن تجاوز أمراض الماضي وتطرفه وعنفه إلا برفع مستويات التعليم في المجتمع، فليكن الجميع متعلمًا. ولماذا لا يكون البائع وسائق سيارة الأجرة حاصلين على تأهيل جامعي؟ فالتوقف عند المرحلة الثانوية لم يعد كافيًا في هذا العصر، والإنسان يستطيع إنهاء المرحلة الجامعية مبكرًا، ثم يبدأ في مهمة اختيار العمل الذي يناسب إمكانياته.
لعلنا من الأمم التي عانت من تدني مستويات التعليم، وكان ثمن ذلك ارتفاع موجات التطرف، وكان سبب ذلك محدودية فرص إكمال التعليم والابتعاث إلى الدول المتقدمة؛ وهو ما جعل من الشباب الاتجاه إلى فصول التعليم غير المنهجي، وكان من نتائجه خروج مدارس غير نظامية لنشر التطرف والعنف.
وهو ما يعني ضرورة تشجيع فرص التعليم العالي، وفتح أبواب الفرص للجميع، وخصوصًا للفئات الأقل حظًّا في الدخل المادي، وهو ما قد يكون بمنزلة الأمل الذي ينقلهم من حال إلى حال. والمسؤولية تقع أكثر على المجتمع؛ فبالرغم من جهود الدولة في فتح الجامعات إلا أن أعمال الخير لم تسهم كثيرًا في زيادة فرص التعليم بين الشباب غير القادرين على تحمل تكاليف التعلم العالي إذا هم لم يجدوا فرصة في التعليم العام.
التعليم ليس رفاهية أو أمرًا هامشيًّا في مسيرة التنمية، لكنه العامل الأكثر أهمية في حياة الإنسان. والإنسان المتعلم لا يستسلم، ولا يكون عالة على الحكومة، ولكنه قادر على إيجاد الحلول من أجل حياة أفضل. ولو راقبنا تجارب النمور الآسيوية ودول الغرب لربما أدركنا ضرورة الاستثمار في التعليم.
قدمت الكوريتان تجربة رائدة للبشرية؛ فكوريا الشمالية استثمرت في عسكرة المجتمع وتحويله لمجرد أدوات بشرية في خدمة الرئيس، بينما استثمرت كوريا الجنوبية في فتح الجامعات وزيادة فرص التعليم وإرسال البعثات إلى الغرب، وتأسيس الشركات العملاقة التي تستوعب الخريجين من مختلف التخصصات. ولنا أن نحكم الآن؛ فالفرق شاسع بين كوريا الشمالية والجنوبية، بالرغم من أنهما شعبان ينطلقان من أمة واحدة..
تواجه دول مثل زيمبابوي وأفغانستان وكوريا الشمالية تحديات أكثر صعوبة في هذا العصر؛ فغالبية المواطنين يعيشون في فقر، وتحيط بهم الدعاية الحكومية من كل اتجاه. وطالما أن الأغلبية تفتقر إلى التعليم والقدرة على الكسب فإن الحكومة ستتحمل أخطار المجاعات والعنف والتطرف؛ ولهذا قيل إن قوة التعليم تمتد إلى ما هو أبعد من تطوير المهارات التي نحتاج إليها لتحقيق النجاح الاقتصادي؛ فالأمن والسلام يحتاجان إلى عقول تدرك المخاطر في الحياة..
لا يمكن أن توجد تنمية بدون تعليم متخصص وقادر على منح الفرص للجميع في المشاركة في دفع الإنتاج والاقتصاد، ولا يمكن أن تنجح حكومة في الوصول إلى مستويات دول العالم الأول بدون أدوات التخطيط والتفكير من خلال العلم والتفكير النقدي. ومن أجل أن يحدث ذلك لا بد من رفع موازنات الأبحاث العلمية، وتأمين حفظ حقوق الابتكار.
الاقتصاد الجديد لا يعتمد على دخل بيع المواد الخام، ولكن على استغلال واستثمار الأفكار الجديدة والابتكارات التي تخترق الحواجز. ومن أجل أن نفهم أبعاد هذا الانفجار علينا دراسة ما حدث في العالم خلال العقود الماضية، ومنذ بروز أمازون وجوجل وسامسونج وأبل وغيرهم. لقد طرقوا أبوابنا، وأصبحنا نتجول ونتسوق في العالم من خلال بواباتهم العالمية. فهل نعي قوة التعليم قبل فوات الأوان؟