د. خيرية السقاف
تعاهد الفلَّاحون بمجاري الماء..
إن هو عذب سيَّال أغاث به المطر مهدوا جداوله، وحفروا لاتجاهاته، ومكَّنوا التربة من سقياه..
وإن كان طميا أجاجا، أخذوا بمعاقل انطلاقه نحوا بعيدا عن زرعهم..
الفلاحون في الأرض ليسوا المزارعين الذين يحملون على أنفسهم مع أنفاس الفجر، توقفظهم زقزقة العصافير فوق غصون انتباهتهم، وتشحذ قواهم مخيلة الخضرة في مدى جوارحهم
الممتهنون الزراعة فقط..
بل الفلاحون هم كما ينبغي أن يكونوا جميع الناس الممتَّعين بطمأنينة الهويَّة، المرتخين ثقة بأمان الأرض، وستر السقف، وحراسة الجدران، وكل واحد ممن مهمة في الحياة هو فيها مزارع فلاح،
أجل، الفلاحون هؤلاء هم من يتضافرون معا على تشكيل جداول أنهار ما تفيض به منجزات الحياة من حولهم، وصدِّ مجاري ما تعبث به ريح السيل في هجمة الطمي، ولوثة الهدير وتنقية ما فيها..
هؤلاء، هم كل الذين في واقع ما تقدمه الآن طموحات السَّحاب المحمل بالغيث في واقعهم _على سبيل المثال_ عليهم أن يؤسسوا روافد، واتجاهات، ومعاقل لماء النماء الذي يهدر من حولهم بكل هذا الزخم الروي لغد طموح، حلما كان، وأرخى أجنحته، إن أدركوا قيمة هذا الحلم فيما يصنع لأرضهم، وما تُمدُّ به من بذورِ غرسٍ إن سُقي منهم بجهد حميم، وبوعي فهيم فإنه البالغ قاع ثراه، النائف لأعلى شاهقه، الراسخ في أعمق جذوره !..
الناس هنا إن تخيلت كل المتغيرات التي تمر بهم سحابا مطيرا، وغيثا صيبا، ومثَّلت ما تتخيله على أرض الواقع فذهبت تواكب ماءه استفادت بتوحيد الجهد، وتنظيم الفكر، وتقنين الجدية نحو توجيه صبيبه في قنواته الصحيحة، وريِّ مفاصل التلاقي بين ما ساد، وما يسود مما هو قابل للبقاء، ومما لابد أن يذوب في تربة التجديد، فإن الرؤية الحاسمة لكل بائد ستكون حصادا مثمرا، ريَّانا، لا تميل جذوع شجره، ولا تعطب ثماره، يقف في وجه أية ريح، ويأبى الفشل، والسقوط ..
فالعذب حبلى به الغيمات، غيثٌ به السحاب، صيِّبٌ، مدرارٌ..
والناس فلاحون في مجتمعاتهم، هم الذين يعوَّل عليهم فلاحة الأرض، والإنسان، ونتائج الحصاد..