د. محمد عبدالله الخازم
مهنة الصيدلة تُعتبر من المهن الراقية تعليميًّا، ويقضي فيها المتعلم ما لا يقل عن ست سنوات دراسة أساسية قبل أن يتخصص في أحد فروعها، ولها هويتها العلمية المستقلة، وتخصصاتها المتنوعة في أغلب دول العالم؛ بدليل استقلال تدريسها عبر كليات منفصلة، ووجود جمعيات ونقابات تخصها وحدها. وفي المملكة نجد الزملاء الأكاديميين سعوا إلى رفع مستوى تعليم الصيدلة؛ ليحصل خريجها على لقب دكتور صيدلي، وغير ذلك من التطورات التي تحدث في تأهيل وتطوير مستوى الصيدلي.. ولكن بعد كل ذلك يجد الصيدلي نفسه يبيع حفائظ أطفال وفرش أسنان وعلكًا وأمشاطًا وشوكولاته، وغيرها من الأدوات التي لا علاقة لها بتعليمه، ولا علاقة لها بصرف الدواء وتثقيف استخدامه. انتصر حس التاجر في عمل الصيدليات على حس الصيدلي. وقد لا نختلف مع التاجر بأن بيع الدواء وحده غير مُجدٍ، وبيع الشامبو في البقالة العادية ليس جذابًا، فما هو المانع من جمعهما في وظيفة واحدة؟
المانع الأول هو امتهان قيمة الصيدلة والصيدلي. وأستغرب من سكوت جمعية الصيدلانيين ومرجعياتهم، ومنها هيئة الغذاء والدواء، على مثل ذلك. المانع الثاني هو تعارض المصالح بين تعظيم الربح والحرص على مصلحة المريض والعميل بصفة عامة؛ إذ أصبح الصيدلي يبيع ويروج ما يحقق الكسب وليس ما يتفق مع الأسس العلمية لوصف الدواء للداء دون زيادة أو نقصان، ودون انحياز لشركة دون الأخرى. للأسف، هذا منحى خطير، لا ينتبه له البعض، وهو تحوُّل الصيدلي إلى عميل أو مسوق لشركات الأدوية والأجهزة الطبية.
ما هو الحل الممكن الذي لا يحرم التاجر من رزق (الصيدليات) في بيع المواد غير الدوائية، ويحافظ على مكانة الصيدلي واستقلاليته المهنية؛ وبالتالي الحفاظ على تقنين صرف الدواء قدر الإمكان؟
أعتقد أن الحل يكمن في التنظيم الداخلي للصيدليات؛ فيكون هناك الصيدلي المعني بصرف الدواء وفق الوصفات الطبية، والبائع المعني ببيع بقية محتويات المحل المسمى صيدلية، ويبيع كل شيء. داخل المحل يُفصل الدواء الذي يُصرف بوصفة طبية عن بقية المستلزمات التي يبيعها. هذا موجود كتصميم، لكن يجب أن يصاحبه فصل مهام الموظفين والمحاسبين داخل المحل؛ فالصيدلي ليس له علاقة ببيع أي من مستلزمات المحل أيًّا كانت، بما في ذلك الأدوية المتوافرة بدون وصفة طبية، اللهم في حال الإشارة العامة متى طلبها المراجع المريض. يجب أن يكون بكل صيدلية محاسب أو بائع معني ببيع مكونات المحل أو السوبرماركت المختلفة، وصيدلي معني بالدواء فقط، كما يجب - وقد أصبح الصيدلي دكتورًا صيدليًّا - أن يوجد «كورنر» خاص بشرح الدواء وآثاره للمريض قبل تسليمه، وأن يصبح ذلك أمرًا إجباريًّا لكل دواء يحصل عليه المريض لأول مرة عبر إقرار المريض بتلقيه الشرح اللازم حول الدواء.
باختصار.. بيعوا ما تشاؤون في السوبر ماركت المسمى صيدلية، لكن افصلوا الدواء المباع بوصفة عن بقية مكونات السوبر ماركت، ولا تطلبوا من الصيدلي أن يتحول إلى بائع لكل ما في السوبرماركت؛ فتلك ليست مهمته، كما أنه ليست مهمة البائع شرح الدواء وبيعه وهو غير متخصص ومصرح له بالعمل في مجال الصيدلة.