عبدالعزيز السماري
لقد أثبتت أحداث سوريا وما يجري فيها من وقائع وتحولات أن المنطقة العربية هشة لدرجة غير مسبوقة، فقد اخترقوا سوريا من كل صوب، وتركوها تُذبح من الوريد إلى الوريد، ولم تحرك الدول الكبرى ساكناً، ولكن استغلوا الوضع لتمرير مصالحهم الإستراتيجية، وكان لهم ما أرادوا، فمنطقة الشام تئن الآن تحت الاستمعار المباشر والتدخل الخارجي.
تدل المتغيرات الجيوسياسية في سوريا وليبيا أن معظم المنطقة العربية ما زال تحت سيطرة الاستعمار ومصالح الدول الكبرى، وأن المنطقة العربية رقعة شطرنج يتحرك فيها بعض الجنود بناء على أوامر الدول الكبرى، وهو ما يجعل من الفوضى خطرًا يهدد بعض الدول العربية.
سقط أكثر من نصف مليون سوري بين قتلى وجرحى، ووصل عدد النازحين إلى 11 مليوناً، وكان من الممكن في البداية، حقن الدماء، وإيقاف قتل الشعب، لكنهم لم يتدخلوا، وفتحوا الباب على مصراعيه لدخول إيران والعمل على التغيير الديموغرافي عبر توطين موالين لهم من الشيعة في سوريا، وتخضع سوريا الآن لإرادة التقسيم بعد أن غزت روسيا الأرض السورية كجزء من تركتها التاريخية.
في المقابل على ضفة الفوضى العربية الخلاقة حذرت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية من تدخلها في الشأن الليبي، مؤكدة أن بلادها هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية، وأن القيادة بيد إيطاليا فيما يتعلق بالحالة الليبية، وقالت بوضوح «لنكن واضحين.. القيادة في ليبيا لنا، وكأن الأرض العربية قُدر لها أن تكون غنائم حرب لمطامع الدول الكبرى.
قبلهما سلمت القيادة العراقية السابقة قراراها السياسي للغرب، بعد أن أدخلتها في صراعات مع مختلف جيرانها، وكانت النتيجة استباحة للبوابة الشرقية للمنطقة العربية، مما سهل الطريق للغزو الإيراني تحت المظلة الأمريكية، والمضي في طريق تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ للأطماع الغربية.
المنطقة العربية هشة للغاية وقابلة لمزيد من الانقسام، وما يبحث عنه الغرب ليس تعزيز مجالات حقوق الإنسان أو تطبيقات الديموقراطية والدولة المدنية، ولكن يستخدمها كذرائع للاستيلاء على مناطق الثروة النفطية والطبيعية، وما حدث في العراق وسوريا وليبيا يثبت هذه الحقيقة المرة.
لهذه الأسباب يصبح الاستقرار السياسي هدفًا إستراتيجيًّا في غاية الأهمية للدولة العربية الحديثة، وبالتالي الحذر من المصائد الغربية التي تقوم على إدخال البلاد العربية في صراعات لا نهاية لها، فالغرض ليس سياسياً، ولكن استعماري بحت، والأهم أن تدرك الشعوب العربية أهمية عدم الركض خلف أوهام الغرب وشعاراته، فالغرض لم يكن بريئاً عندما قدموا الوعود والأحلام الوردية للشعب العراقي والسوري، ولكنها أنياب مفترس بقفاز من حرير، وتنتظر سقوط الفريسة في أحضانها..
نحتاج إلى إستراتيجية مختلفة عن الماضي، فالعنتريات والمغامرات السياسية يدخل من خلالها الغرباء، وتؤدي إلى الانقسام كما يحدث في لبنان، فلم يعد هناك وطن حقيقي، لكن تيارات ولائها الحقيقي إلى الخارج، وبالتالي لا يوجد مستقبل في وطن يتقاسمه الأعداء..
وما تحتاجه الدولة العربية التناغم الداخلي والاتفاق على وحدة المصير، والتركيز على خطط التنمية الاقتصادية والتعليمية، وقبل ذلك إغلاق منافذ التدخل الغربي في شؤونها الداخلية، وذلك حتى لا يتكرر النموذج السوري والليبي والعراق في دول عربية أخرى.