يوسف المحيميد
لدي يقين بأن مجتمعًا لا يمنح الثقافة مكانتها، هو مجتمع معرض لفقد بوصلة المستقبل، ولكن السؤال المهم كيف تنظر المجتمعات للثقافة، ومن أي زاوية؟ زاوية الاستهلاك أم الإنتاج؟ أم بهما معها؟ فلا يمكن أن نجعل الثقافة استهلاكا دون أن نُعنى نحن كمثقفين في إنتاجها، والعمل بوعي على مخرجاتها، ومنتجاتها الثقافية، بالتوازن بين القطاعين، العام والخاص.
ولعل الثقافة لدينا تتحول أحيانًا إلى التركيز على الاستهلاك دون الإنتاج، بهدف جذب المتلقين، رغم ما يحفل به الوطن من قدرات وكفاءات مميزة في جميع أوجه الثقافة والأدب والفن، ورغم وفرة المواهب الشابة في مختلف مجالات الثقافة والآداب والفنون، القادرة على إنتاج ثقافة وفن مميز، يعكس مكانة المملكة وعراقتها، ولكي نتمكن من تحقيق ذلك لابد أن نؤسس معاهد للموسيقى مثلا، وأكاديميات للفنون في مجالات السينما والتمثيل والتشكيل والنحت والفوتوغراف، وننطلق في تشييد صالات عرض ودعم القائم منها، ونقيم ورش تدريب للرسم والنحت والتمثيل والكتابة الأدبية وغيرها. لابد أن نقود العالم العربي في إطلاق مهرجانات عالمية سنوية للأدب، سواء الشعر أو الرواية أو القصة القصيرة أو أدب الطفل، ونفكر جيدًا في إنشاء جوائز تشجيعية، وإعادة تفعيل جائزة الدولة التقديرية للأدب، التي كان لها دور مهم في ثمانينات القرن الماضي، ولا بد أن نعمل على إعادة مكانة الكتاب بقوة، من أجل تشكيل الوعي المجتمعي، وذلك بدعمه وتشجيع نشره، وتأسيس سلاسل كتب في مختلف المجالات، خاصة أننا من أكثر الدول المحيطة كتابا ومؤلفين ومبدعين، بما يدعم هذه السلاسل بأسماء وطنية كبيرة، وأسماء شابة أيضًا في مختلف المجالات الثقافية والأدبية.
هذه الأدوار الثقافية المهمة تقوم بها جهتان لدينا، وزارة الثقافة، والهيئة العامة للثقافة، بما يتبعهما من فروع جمعيات الثقافة والفنون، والأندية الأدبية، وحتى الجامعات، ومراكز البحوث، وغيرها، ولا شك أن تشجيع القطاع الخاص للدخول في الفعل الثقافي سيكون له أكبر الأثر، وذلك من خلال تشغيل المؤسسات المختلفة في مجالات الثقافة والفنون، كتشجيع نشر الكتاب وتوزيعه من خلال دور النشر الخاصة، ودعم المسرح والدراما من خلال مؤسسات الإنتاج الفني، وكذلك الاهتمام بالمواهب الفنية في التشكيل والفوتوغراف والنحت من خلال دعم صالات العرض (الجاليريات)، وتنظيم المهرجانات والمؤتمرات الثقافية والأدبية من خلال المؤسسات تنظيم المعارض والمناسبات، وغيرها.