فوزية الجار الله
أجمل الكتب ذلك الذي يمنحك إحساساً مختلفاً، يتضاءل فيه الزمن، يفقد كينونته وقيمته وهو بين يديك فلا تشعر بمضي الوقت ولا بتوالي الساعات وأنت في حالة استغراق واستمتاع بقراءته، لم يكن العنوان بالغ الجمال والجاذبية، لكن فحوى الكتاب كانت هي الأروع والأكثر جاذبية، ببساطة لأن من يقف خلفه كاتب وروائي مبدع، كَتَبَ الكثير، وقد كان لي مع إبداعاته جولات ممتعة، حيث قرأت له منذ سنوات خلت، روايتيّ الوكر والأنهار وأيضاً مجموعته القصصية «الوشم» إضافة إلى كتب أخرى..
ذلكم هو الكاتب والروائي العراقي: عبدالرحمن مجيد الربيعي، والكتاب الذي أمتعني كثيراً هو «أية حياة هي؟» يتحدث فيه عن سيرته الذاتية ويتطرق من خلاله بمنتهى الوضوح والجرأة إلى المناسبات والشخصيات التي تضمنتها كتبه أو كانت محوراً لقصصه ورواياته، إضافة إلى ذلك يتضمن الكتاب كثيراً من التحولات والأحداث التاريخية والسياسية التي مرت بها العراق خاصة تلك التي تضمنتها مسيرة حياة الربيعي ابتداء من أغسطس 1439م وهو تاريخ ميلاده حتى صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 2004م..
كان لي الكثير من الوقفات أثناء قراءة الكتاب سوف أحاول خلال هذا السطور تسليط الضوء على بعضها وحسب، على سبيل المثال، يتحدث الربيعي عن نهر دجلة الذي كان للشاعر العراقي الجواهري قصيدة حوله بعنوان (دجلة الخير) قائلاً: (كما أن للنهر انسيابه القوي، ولذا فإن العوم فيه صعب ومهما كان المرء سباحاً ماهراً فإنه إذا ما أراد عبوره لن يكمل عومه إلى الجهة المقابلة بل إن حادور الماء سيبعده عدة أمتار..) ثم يقول: (كم أخذ النهر في مجراه من ضحايا! فتية صغار تستدرجهم برودة الماء للعوم فيه، ولكن تياره الجارف يأخذهم وللنساء طقوس عندما يأخذ الماء أبناءهن إذ يأتين بطوافات صغيرة من الفلين يغرسن فيها الشموع، وعندما يصلن الشاطئ ومن المكان الذي اختفى فيه أبناؤهن يشعلن الشموع ويتركنها تمضي مع مجرى الماء، وكان أنينهن المكتوم يمزق القلب)..
تحدث الربيعي عن الكثير من الأحداث الهامة التي شكلت حياته فيما بعد منها وفاة أمه في عمر مبكرة، تحدث عن طفولته وبداية بلوغه مبلغ الرجال وبداية معرفته للمرأة..
(أبو خزنة كان أول من أدخل الراديو إلى زقاقنا، وكان الراديو يعمل على «بطارية» السيارة، وكأنه جاء به من أجل الزقاق كله إذ وضعه في الشباك، كان أبو خزنة كلما راق مزاجه رفع صوته ليسمعه الجميع وخاصة حفلات «بلبل الريف» حضيري أبو عزيز كل يوم جمعة التي تبث من الإذاعة، وكلما عاد من مهمته في الصحراء يمضي أيام راحته في السّكَر وحيداً...)
ويتابع الربيعي حديثه («أبوخزنة» مازلت أراه يمر من أمام بابنا وهو يمسح على شعري ويطلب مني أن أسلم له على والدي، فقد حُرم هذا الرجل من الذرية).
وللحديث بقية.