محمد المهنا أبا الخيل
بعد يوم من استلام المرتب جلس (سعود) يحصر مصاريف المرتب والتي باتت تأكل كل ما كان يمكن أن يدخره للمستقبل، أقساط المنزل, مصاريف المعيشة، أقساط المدرسة، قسط السيارة، فواتير ماء وكهرباء واتصالات ومصاريف سيارة ووقود، مخالفات مرورية، راتب الخادمة، وهناك مصاريف سنوية لا بد من وضع بند لها، مثل مخصص الملابس للعائلة وتجديد إقامة الخادمة، ربما سفرة ترفيه قصيرة للعائلة، ومصاريف نثرية أخرى، هذا غير المصاريف الطارئة كالمصاريف الصحية أو الشؤون الأسرية الأخرى، وضع سعود تقديرات لتلك المصاريف في جدول، وفي الجدول الآخر كتب بنداً واحداً هو (الراتب), ثم جمع وطرح فوجد أن جدول المصاريف يفوق جدول المرتب بـ(30 %) تقريباً، عاد مرة أخرى لجدول المصاريف وخفض بعضها، ثم أعاد الجمع والطرح، فوجد أن جدول المصاريف ما زال متفوقاً على جدول المرتب، أطرق وهو ينظر لجدول المصاريف، يحاول أن يخفض بعض بنوده دون أن يخلق مشكلة عائلية، هز رأسه بصمت فلم يعد هناك مجال لذلك. فأي تعديل في تلك البنود سيشعل خلافاً مع الزوجة والأولاد.
جلس سعود أياماً وهو مهموم بفكرة خفض المصاريف، والتي كان منها العزم على عدم مخالفة أي نظام مروري وخفض استهلاك الكهرباء بتقليل الاعتماد على التكييف والإضاءة، كذلك التفكير في تقليل المشاوير غير اللازمة وتقليل استخدام المياه، خصوصاً في غسل المنزل. هم المصاريف جعل عقل سعود يتحوصل في شرنقة التوفير وخفض تكاليف معيشته وأهله لتتناسب مع مرتبه الشهري دون الحاجة إلى مزيد من الديون المرهقة، أصبح سعود، قلقاً من تسرب مشاعر البخل إلى نفسه، وهكذا انشغل عقله بدوامة فكرية من العتاب الذاتي لكونه يفكر كالبخلاء وقلق وهم من تنامي الالتزامات المالية لدرجة سيصعب عليها احتمالها، هذه الدوامة الفكرية احتلت عقل سعود فلم يعد فيه متسع إلا لمزيد من القلق والعتاب الذاتي.
بينما كان سعود في طريق عودته للمنزل بعد دوام يوم طويل، مرهقا وجائعا، وعند إشارة المرور وجد أحد الوافدين يجول بين السيارات الواقفة، يعرض قناني الماء البارد بريال واحد، وكان عطشان فناده واشترى منه قنينة ماء، وهو يتعجب كيف يعيش هذا وهو كالمتسول يدور بين السيارات، لم يملك سعود عدم الانشغال ببائع الماء فضل يرقبه حتى تحركت السيارة بعد فتح إشارة المرور، انشغل فكر سعود بحال بائع الماء، فجعل يحسب كما قنينة سيبيع، فهو لاحظ أنه باع في ظرف دقيقتين وهي مدة توقف السيارة عند الإشارة 5 قناني ماء، إذاً هو يستطيع بيع (100) قنينة كل (40) دقيقة، فهو ينتقل من بين المسارات الواقفة، إذاً هو يستطيع بيع (150) قنينة كل ساعة، وربما لو حسن من طريقة عرضه لباع أكثر، فمنظره لا يوحي بالنظافة، وربما يتحسس الناس من ذلك أو قلق الناس من الغش في الماء، انشغل سعود بعملية بيع المياه تلك، فذهب بعد المغرب لمحل بيع مياه الجملة واكتشف أن سعر كرتون قناني الماء عبوة 330 مم هو (16) ريالاً، ويحتوى على (40) قنينة، وبلحظة أدرك سعود أن ذلك الوافد كان يكسب في الساعة (90) ريالاً تقريباً. الدهشة جعلت سعود يقرر أن ذلك هو وسيلته لمزيد من الدخل، فلديه بعد الدوام فائض من الوقت يستطيع تخصيص ثلاث ساعات منه في بيع الماء.
في اليوم التالي رتب سعود عمله في بيع الماء، وذهب للخياط المختص وفصل (ينوفورم) جذاباً يدل على التخصص في بيع الماء، واقتنى ثلاجة خاصة بالمياه، وفي أول يوم عمل، استعد ليبيع (200) قنينة ماء خلال (3) ساعات خصصها لذلك، دهش سعود فمظهره كان جذاباً لدرجة أنه باع كل الكمية بأقل من ساعة، ومنذ ذلك اليوم بات سعود يجني دخلاً إضافياً يتجاوز راتبه في العمل، ومع أنه واجه بعض الصعوبات مع مراقبي البلدية وشرطة المرور، إلا أنه تغلب على ذلك بعد أن تكفل بتوزيع مواد ومطبوعات توعوية تخدم دور المرور والبلدية الاجتماعي.
سعود هو كل سعودي شاب لديه تحديات توفير مصادر دخل إضافية، بيع الماء فكرة مربحة ولكن هناك ألف فرصة وفرصة لتنمية موارد إضافية باستخدام المهارة والمعرفة والذكاء والفطنة وكثير من الرغبة والأمل.