د. محمد بن إبراهيم الملحم
المقطع المنتشر عن أولياء أمور مدرسة في إحدى قرى المنطقة الوسطى متذمرين من إغلاق مبنى مدرستهم وما أعقبه من تعليقات ومنها خطاب إدارة التعليم الموضح لسبب إغلاق المدرسة كشف عدة أمور فكانت الفائدة، أخطاء متعددة تحتاج أن نلقي الضوء عليها لا لنصطاد في ماء عكر ولكن لنبحث عن حلول وليتعلم منها الجميع، أولها ذلك المبنى الذي شاهدناه في المقطع يبدو مبنى حكوميا فلم جاءت تعليمات بوقف الدراسة فيه لخطورته على الطلاب؟ ومن أين جاءت؟ لا أدري كم عمر المبنى، وإن كان الشكل الظاهر في الصور لايوحي بقدمه جدا، لكنه دور واحد فقط وهو أيضا ما ذكره تصريح إدارة التعليم في أحد القنوات الإعلامية، ومن ثم فإنك لا تتوقع منه خطورة غالبا، ولكن عندما يكون ذلك بتوجيه الدفاع المدني لخطورته فهذا يعني مرحلة متقدمة ويعني أيضا أن العيوب ذات طبيعة ظاهرة للعيان فالدفاع المدني لا يصطحب معه في جولاته مهندسين ليكشفوا العيوب بأجهزة فحص خاصة مثلا، بل ما يفعله موظف الدفاع المدني من معاينة لعلامات الخطورة في الشكل الظاهر لا يستعصي أبدا على قدرات وتأهيل مدير (أو قائد) المدرسة، أو المشرف التربوي الزائر، أو أي مسؤول تعليمي آخر، ولذلك سنتوقع أن مدير المدرسة شاهد هذه العيوب وأبلغ عنها، ونتوقع أن إدارة التعليم تعلم عنها سواء بإبلاغ المدير أو من خلال جولات المهندسين أوموظفي الصيانة الدورية، ونتوقع أن الوزارة تعلم أيضا فغالبا تكون إدارة التعليم طلبت ميزانية لذلك ! وتوقعاتي هذه لا تقل عن 70 بالمائة إذا لم تكن أكثر، فإن صدقت، فلا يكفي المواطنين أقل من أن تكتب الوزارة لهم اعتذارا لما حصل، وإن لم يكن فإن أمامنا تحليلا لواقعة التقصير في القيام بأهم واجبات السلامة للطلاب وينبغي أن تحدد الجهة المسؤولة أين موطن التقصير ومن المسؤول عنه وكيف ستعالجه وتتحدث عن ذلك في الإعلام بكل شجاعة لتزرع ثقة المواطنين فيها.
إدارة التعليم كتبت خطابا ولم تذكر فيه هل هي على علم أم لا بل اكتفت بالقول أن الإغلاق جاء بناء على تعليمات الدفاع المدني المبلغة لهم بخطاب المحافظة (وكتب تاريخه خطأ فيما يبدو مع مجموعة أخطاء إملائية ولغوية أخرى كثيرة سأتناول أمرها لاحقا) وكان عليها واجبان: الأول أن تقابل الأهالي قبل الدراسة وتشرح لهم وتقنعهم بمسألة النقل المؤقت ولا تترك المسألة دون متابعة والثاني أن تشرح في الخطاب (لأنه تصريح إعلامي!) وقائع أسباب التأخير في الصيانة دون استثمار العطلة الصيفية، أو تعتذر للمواطنين عن هذا الأمر لأنه تفريط في فرصة ذهبية للصيانة هي من حق الطلاب وأولياء أمورهم.
المشكلة الكبرى أن ثقافة الاعتذار مشطوبة في قاموسنا ومفقودة في ثقافتنا، فالمعلم يستحيل أن يعتذر للطالب ومدير المدرسة لا يمكن أن يعترف بأخطائه والمشرف هو المحق دائما والمسؤولين الأكبر من ذلك لا يسألون عما يفعلون أصلا فلا يتصور منهم أن يعتذروا البتة. ولهذا وذلك كان طبيعيا أن أبناءنا وبناتنا الطلاب والطالبات لا يفهموا معنى هذه الكلمات: آسف، أعتذر، أنا أخطأت، أقول «لا يفهمونها» وليس لا يمارسوها لأنهم أصلا لم يسمعوها من أحد حولهم، ولم تمارس معهم، ومع أنهم ربما شاهدوها في أفلام الكرتون أو بعض المواد الإعلامية الأخرى لكنها بالنسبة لهم حالة هلامية لا تنتمي لعالمهم، هي شيء تراه وتستمتع به وكفى.
ماذا أيضا؟ الأخطاء اللغوية الفادحة في خطاب إدارة التعليم... لذلك قصة أخرى سأحكيها لكم في المقالة القادمة.
** **
- مدير عام تعليم سابقا