ناصر الصِرامي
من صحافة الأفراد، بُعثت المؤسسات الصحفية السعودية، ودخل فيها شركاء جدد، وأموال إضافية، لتتحول إلى نظام المؤسسات، في آخر الثمانينيات الميلادية،كان بداية النمو السريع، في التسعينات وصلت الأرباح إلى عشرات الملايين، وأصبحت المنافسة حادة على الفوز بالقارئ وبالطبع المعلن.
ومع تدفق الإيرادات،لم تتوقف رعاية الدولة لها، ومنحتها إضافة إلى الاشتراكات والإعلانات الحكومية، منحتها أراضي مجانية لتقييم مبانيها الرئيسة، التي تجمع اليوم الإدارة والتحرير والطواقم الفنية، واستوعبت المطابع الحديثة، التي جلبتها المؤسسات لتقديم نسخ أحدث وملونة لصفحاتها إغراء وجذباً للقارئ.. ودائماً المعلن!.
كانت هناك فرصة أن تتحول هذه المؤسسات، وهي تكسر حاجز المئة مليون في أرباح بعضها، مع دخول الألفية، كان أمامها فرصة لتتحول لنظام الشركات، واستقطاب أموال والتوجه نحو استثمارات جديدة وهي في قمة توهجها!
لكن النظام لم يكن يسمح، وهو لا يسمح حتى الآن بأي خطة إنقاذ اقتصادية!، كما أن «بعض» المؤسسات لم تكن ترى حاجة لاستثمار ذلك النجاح، أمام ما تحققه من أرباح كبيرة. البعض منها خلق محفظة استثمارية -عقارية في الغالب-، وهي من تساعدهم اليوم على تجاوز أزمة الورق الحالية والمستمرة المتعاظمة.
هذه المؤسسات قدمت أجيالاً من الإعلاميين السعوديين، وخرجت مهنيين في قطاعات العمل المرتبطة بها. كما أنها ظلت باستمرار في نهج محلي داعم للتنمية ومنشط للوعي العام. أكثر من كونها سلطة رابعة، مستجيبة للوضع الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي للبلاد وداعمة له. لدرجة بالكاد ينظر إليها على أنها مستقلة أو تابعة بالكامل للقطاع الخاص!.
وهي أيضاً وفرت عشرات الآلاف من الوظائف داخل وخارج المهنة، وغالبية منسوبيها من المواطنين السعوديين في الإدارة والتحرير وفِي كل مفاصلها تقريباً!.
هل تتلاشى هذه المؤسسات فجأة، وتصبح ذكرى في مواجهة تحديات ارتفاع التكلفة الورقية والبشرية، وتآكل عوائدها، وهروب الإعلان إلى المنافس العالمي، حيث خدمات الشبكة العنكبوتية، ومنصات شبكات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، أو الإعلام الاجتماعي بمجمله..؟!.
هذا أمر ممكن الحدوث إذا نظرنا للواقع اليوم، حيث تسريح عدد من العاملين في المؤسسات الصحفية، تأخير المكافآت بالأشهر الطويلة، خفض المكافآت والرواتب للصحفيين المتفرغين والمتعاونين في أكثر من مؤسسة، تقليص كتّاب الرأي الدائمين..!.
نعم، أمر ممكن الحدوث لكنه سيكتب عن تفريط حزين لمهنة عجزت هذه المؤسسات أن تدافع عن نفسها!
إنه من الجميل، بل من الرائع أن تدعم الدولة الثقافة بكل أطيافها وفنونها، وتوفر للمواطنين متعة الترفيه الطبيعية في بلادنا، وكذلك هذا الاهتمام المميز با الرياضة، بكل جوانبها، وفئاتها بشكل أوسع كما لم يحدث من قبل.
بقي أن تُدعم المؤسسات الصحفية، وتدعم الصحافة ليكتمل جمال الصورة.. دعمها، دعم للمهنة والمهنيين والمحافظة عليهم، وتنميتهم باستمرار، نوعاً وعدداً، ودعماً لثروة وكفاءات وطنية، وليس دعما للورق كما يعتقد البعض!.
فالحديث عن دعم مؤسسات صحفية قائمة لها علامات تجارية مهمة، ورصيد مؤسساتي وخبرة في صناعة المحتوى. دعم أيضاً لمن يملك مشروعات رقمية مستقبلية قادرة على الحضور والتأثير والوصول للمتلقي محلياً وعربياً، ودولياً ربما..!.