م. بدر بن ناصر الحمدان
إدراج مدن سعودية في قائمة أفضل 100 مدينة للعيش في العالم مع حلول عام 2030م يتطلب بالدرجة الأولى مستوى عاليًا من التحكم العمراني في أحجام المدن؛ فالقاعدة الأساسية في علم الإدارة تقول «ما لا يمكن وصفه لا يمكن قياسه، ومن ثم إدارته وتطويره». نحن لسنا في سباق لتحويل مدننا إلى تجمعات حضرية ضخمة؛ إذ إن الاستنتاج الراهن يؤكد أن أكثر من مدينة سعودية في طريقها إلى عالم «المتروبولية».
يخيل لي أحيانًا أننا نبني مدنًا «مؤقتة»، ولن تتمكن من الوصول بنا إلى المستقبل الذي نبحث عنه ونعمل من أجله؛ فكثير من القرارات والمشاريع لا تأخذ وقتها من التخطيط والتنفيذ والإشراف والمتابعة. دورة حياة المشروع تكاد تكون شبه مفقودة، كما أنها مجرد ردة فعل، أو أُخذت على حين غرة. أجزم لو أننا طبَّقنا إدارة المشاريع على مستوى الدراسات والتنفيذ والصيانة «باحترافية كاملة» لخرج معظم المكاتب الاستشارية والشركات المحلية من دائرة العمل. تمكين الشركات الأجنبية «المؤهلة» سيخلق بيئة تنافسية، وسيعمل على نقل الخبرة والمعرفة، وسيدفع بوتيرة الإنجاز.
حتى على مستوى القطاعات الحكومية تظهر الحاجة إلى مراجعة تركيبة الأجهزة الإشرافية، ومعايير اختيار المسؤولين عن إدارة المشاريع والإشراف عليها، والتأكد من جاهزيتهم واستعدادهم العلمي والعملي لهذه المهام التي تتطلب قدرًا كافيًا من الإلمام بحقل العمل، وتوفير متطلبات التعليم والتدريب والتأهيل لهم لإعدادهم وفق المستوى الذي تتطلبه تلك المسؤوليات. المدن بُنيت لتبقى، وفق منهج تراكمي، يضمن امتدادًا طبيعيًّا لمسار التنمية والتطوير، وهذا لن يتم دون تحقيق المقاييس الثلاثة لكفاءة أي مشروع (الوقت، الكلفة والجودة).
ثمة توجُّه في غاية الأهمية لتشييد مدن دائمة وأصيلة، ويُعتبر أداة حقيقية لتقنين عملية تطوير المدن، وتعظيم الاستفادة من مكوناتها العمرانية القائمة دون الحاجة إلى التوسع المفرط، وإضافة نطاقات نمو وأعباء إشرافية جديدة. ويتمثل ذلك في إعادة إعمار المدينة على نفسها من خلال مشاريع «التجديد الحضري» بهدف تدوير مواردها المبنية للإيفاء بالاحتياجات المستقبلية.
في عام 2016م نشر البنك الدولي تقريرًا، تناول فيه «كيف نجحت ثماني مدن في إعادة تأهيل أراضيها العمرانية»، هي أحمد آباد، وبوينس إيرس، وجوهانسبرغ، وسانتياغو، وسنغافورة، وسول، وشنغهاي، وواشنطن العاصمة. ويوثق رحلة نجاحها في التصدي لتحديات جسام في هذا المجال بالشراكة مع القطاع الخاص. محاكاة هذه التجارب أمر حتمي للتعامل مع بيئة عمرانية قائمة ومعقدة.
عملية التجديد الحضري لا تقتصر على الفكرة السائدة التي تعتمد على إعادة تهيئة المجالات العمرانية القديمة فقط، بل هي مفهوم أوسع وأشمل لجعل المدن أكثر نضجًا، بما يمنحها مراجعة مركزة ودقيقة لمراحل نمو سابقة، والفرصة لاستعادة مكاسب فقدتها تلك المدن، أو تم تجاوزها لأسباب مختلفة في فترة من الزمن، وتمكنها من التحكم بإدارتها بشكل أفضل؛ وبالتالي ينعكس ذلك على جودة مشاريعها.. «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».