عبد الله باخشوين
صحيح أن (السي.آي.أيه) هي جهاز الاستخبارات الأكبر والأشهر في العالم.. غير أن وصول حمد بن خليفة إلى قمة السلطة في قطر.. وبالطريقة التي وصل بها.. لم يكن يخلو من (بصمة) ولمسة جهاز الاستخبارات البريطانية الـ(اس. آي. اس).. وهي البصمة أو اللمسة التي تأكَّدت عبر نشاط (قناة الجزيرة).. التي بدت منذ اللحظة الأولى كذراع لهيئة الإذاعة البريطانية الـ(BBC). منذ تأسيسها في عام 1996 .
لذا فتش أولاً عن دور جون ميجر وزير مالية حكومة تاتشر ومن ثم وزير خارجيتها قبل أن يعقبها في تولي رئاسة الوزراء.. وفتش عن العلاقة (التاريخية) بين جهازي الاستخبارات البريطانية و(الموساد) الإسرائيلي.. وتعقب تحركات حمد بن جاسم بن جبر رئيس الوزراء ووزير الخارجية.. الذي قام في عام 1996 أيضًا بتبني زيارة شمعون بيريز وافتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة.. وتوقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل.. وإدراج (غاز قطر) للبيع في الأسواق العالمية من خلال (بورصة) تل أبيب.. وكل هذه ليست سوى خطوات أولية سريعة اتخذتها قطر بعد أقل من عام من انقلاب حمد على أبيه.. ويمكن اعتبار دخول حركة (الإخوان المسلمين) كحليف لانقلاب حمد بمباركة (القرضاوي) نقطة التحول التي أكملت تشكيل (الثالوث المقدس) الذي أتاح لجهاز الاستخبارات الأمريكية فرصة لعب دور مساند إلى جانب استخبارات بريطانيا وإسرائيل.التقي هذا الثالوث الاستخباراتي في برنامج يفترض أن تقوده وتشرع له حركة الإخوان والجماعات الإسلامية الموالية والمؤيدة والأخرى الأكثر دموية وتطرفًا.. ويقوم بتمويله وتنسيق حركته مال (الغاز) القطري.. التقى لأحياء برنامج قديم يعود للأربعينيات تبنته أمريكا وأوكلت أمر تنفيذه لجهاز استخباراتها من خلال دعم برنامج الإخوان المسلمين.. الذي يهدف للعمل على منع (المسلمين) العرب من الاستجابة لأطروحات الحركات الثورية الناشئة التي أفرزتها الشيوعية العالمية وكذا الدعوات القومية التي أفرزتها الحركة (النازية) وغذَّاها العداء للهيمنة التركية التوسعية. كان على الحركة الإسلامية العمل لإبقاء المسلمين على حالهم وتبني الأطروحات والبرامج والدعوات التي تحول دونهم والاستجابة لأطروحات التغيير والتطوير وجعلهم أكثر مثابرة على حراسة أطروحات الماضي والتشبث والالتزام بها.
في المقابل وجدت (الأقليات) الدينية والمذهبية - وحتى العرقية.. وجدت أن تفكيك كل المد الديني سواء المعتدل أو المتزمت.. لن يتم إلا من خلال تبني دعوة (القومية العربية) كشعار عريض يضمن عدم قيام أية أعمال عدائية بين أبناء اللسان العربي بصرف النظر عن دياناتهم ومذاهبهم وهي الدعوة التي امتدت حتى وصلت جزيرة العرب وكتب عنها مثقف مثل المرحوم محمد حسن عواد ما اسماه بـ(المنتجع الفسيح).
بالعودة للحالة القطرية.. نجد أن التيارات التي تؤيد رعايتها أصبحت مكتوفة الأيدي بعد أن كان أهم كوادرها يعتمدون على تمويلهم من المال الذي يجمعونه من عملهم في المملكة ودول الخليج ومن الهبات والصدقات وغيرها أصبح شحيحًا نتيجة لنمو الوعي وبروز طبقات جديدة تتبنى أطروحات معاصرة يعترونها معادية.
كل هذا أتاح لقطر لعب دور المتعهد والممول على أمل أن تتاح لهذه الدويلة لعب دور يجعلها تصل لموقع وحجم أكبر من دورها وحجمها الفعلي.. غير أنها وقعت في خطأ فادح يتمثل في عدم قدرة من يحركها على قراءة حركة التاريخ وعدم قدرته على فهم كل التحولات الإنسانية التي نشأت بعد نهاية (الحقبة الاستعمارية).. ذلك أن أهم معطيات التحول الإنساني.. تجاوزت فكرة قيادة (القطيع) وأن القرار الفردي هو الذي يلتحم بروح المجموع ويغذيها ويقويها بالمصلحة المشتركة لبنية المجتمع ذلك أن البناء الاقتصادي أصبح هو المحرك الجوهري لبناء متشعب ومتشابك مع مصالح مشتركة بين الدول والشعوب بشكل فردي هو جماعي في العمق ولم يعد يقوم على دعوات وخطابات لكن محركه وجوهره مجموعة متداخلة من الحقائق العلمية المشتركة ولم يعد هناك معوق سوى الجهل وأركانه..
ودولة مثل قطر حتى لو تكدس لديها (مال قارون) فهو لن يفيدها بشيء.. وزمان قرأت قصة قصيرة جداً جداً تقول: (مات رجل من شدة الجوع.. عندما رفعوه وجدوا تحت فراشه أكداسًا من سبائك الذهب).