أمل بنت فهد
أحياناً يبدو كل شيء ساكناً، والألوان باهتة، والمعنويات رابضة في مكانها تشكو البدانة، وتشعر بأن جاذبية الأرض تآمرت عليك، وتسحبك إليها بأضعاف ما تسحب غيرك، حين تفقد الأشكال شكلها، كأنها مكررة، ولا تلفت انتباهك، كأنك فقدت شهيتك وأضعتها، فلا تتحدى التوقف بقوة، ولا تضغط بعنف على ذاتك، بل اهدأ قليلاً، وانسجم قليلاً مع الفراغ، اسمح له أن يبتلع حضورك، لا تخف، لست ميتاً، بل ساكناً وبدون وزن، لا بأس، إنها أوقات تداهم الإنسان بين الحين والحين، لكنها ليست أبدية، إنها تراكم الهراء في داخلك، وفقد المعنى والهدف، وتشابه الألوان، والطعم، اهدأ، واستسلم للحظات، أو ساعات، أو أيام.
أنت ابن الطبيعة التي لها أوان الذبول، والبهجة من جديد، لها غضبات مميتة، وأوقات من الاسترخاء والروعة، فالطبيعة لا تماري في أحوالها، إنها تعيشها بتفاصيلها، ولا تفقد اتزانها إلا حين يتم مقاطعة مزاجها، أو فرض شيء على أرضها، لكن حين تترك كما هي، فإنها عظيمة، ورغم أنها وجدت قبلك، إلا أنها لاتزال تعيش وفق قوانينها التي لم تغيرها، بل هي تتكيف مع التغيرات، والتحديات، وتتطور لتعيش أكثر، وتكون أقوى، وأنت ابنها الذي هجرها واختار بيوتاً خالية من الطبيعة، بأمان عالٍ، لكن من فيها تحاصرهم الغربة، نعم أنت ابنها العاق، الذي استبدل كل شيء طبيعي بأمر آخر من صنعه، وتغرب، وتعب، وانهارت به الحضارة، وحولته إلى آلة تتنفس، لكنها باردة، ومبرمجة.
الطبيعة هي الهدوء، وجمال الاختلاف وتكامله، صادقة في محتواها، شراً كان أم خيراً، يعيش فيها الافتراس وكذلك تعيش فيها الرحمة، ينتابها الوضوح والغرابة، يشاركها الصغير والكبير، كل المتناقضات وجدت فيها مكان يحتويها، إلا الإنسان وحده، تنتابه هواجس السيطرة، والجشع، وخشية الفقر، ولوعة النهاية تطحنه ليل نهار، إنه المخلوق الذي حين فكر، فإنه دمر نفسه وبني جنسه، يعيش الافتراق، والفقد، رغم أنه طوع الطبيعة له كما يزعم، لكن الطبيعة لم ترضخ لأحد، إنها تتكيف فقط، لتمنح المتغيرات فرصة الظهور فيها، إنها لا تطرد أحداً، ولا تخشى فقراً، بل تمنح من أرادها مأوى وغذاء، إلا ابنها الضال، فإنه يعيش مختلفاً عنها، ويعيش عكس ما علمته تماماً.
ابن الطبيعة ضل الطريق، واحتله التكبر والغرور، وصارت أحلامه عذابًا لا ينقطع، فلا عمره يكفي أطماعه، ولا قدراته كافية لنيل مراده.
أيها الإنسان: عُد للطبيعة وتعلم منها الاكتفاء، فالقليل بامتنان، يصبح كثيراً جداً، والأرض تكفينا جميعاً، ويمكننا أن نعيش سلاماً وتوازناً مثل بقية الأحياء.