عبدالوهاب الفايز
(في الحديث المعروف.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا «، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ:» هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ:» فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ، فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ كَذَلِكَ).
الحمدالله أن الحزم لم يتأخر، وجاء في الوقت المناسب..
هكذا تقول الناس وهي ترى حجم التأمر على أمن بلادنا واستقراره بعد تكشف حجم التمويل والتخطيط الذي تورط به جماعات وأشخاص كان البسطاء من الناس يَرَوْن فيهم دعاة خير وسلام، (فهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، والآن تتكشف الحقائق المرة عنهم.
لقد ظل عدد من المتورطين بقضايا التآمر والخداع يتنفسون بيننا لسنوات عديدة، وهناك من قدم الوعود ووقع على تعهدات متتالية، وقدم الأعذار وسعى إلى الشفاعات لكي يُعفَى عنه، وفعلا تم التعامل مع أسماء عديدة بما يمليه حسن الظن والرغبة في التآلف واجتماع الكلمة، ولكن ليس كل الرجال أحراراً ويأسرهم الإحسان والعفو، وهل تذكرون قول المتنبي:
وما قتل الأحرار كالعفو عنهمُ
ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، كان مبدأ الحكم هو العفو ثم العفو ثم العفو، وكل ما يؤدي إلى جمع القلوب وتأليفها وحسن الظن كان هو الأساس، لأن المشروع كبير، مشروع أمة مشروع دولة، هذه هي البذور الأساسية للدولة التي نمت وتحولت إلى قواعد أساسية ثابتة لأدبيات ومبادئ الحكم.
الذين تزعموا مسار العنف وحشروا خطابهم بالدعوة إلى الحاكمية الجديدة للعالم الإسلامي، كانت دعواتهم واضحة، وإشاراتهم مفهومة، ووسائلهم المبطنة يتم متابعتها، وكانت كلها تستهدف الشباب، وفعلا رأينا كيف ذهب الآلاف من المراهقين ضحية مشروع الضلال.. لقد كانوا هُم حطب المعركة الخاسرة، وبقيت الرموز والرؤوس والقيادات تواصل تجنيدها وتحريضها اعتقادا أن هيبة الأنظمة وقدرة الدولة ومصالحها أضعف وأقل رغبة في المواجهة.
في العديد من الحسابات المعروفة بمصداقيتها ودقة معلوماتها في وسائل التواصل الاجتماعي، يجري تقديم الشواهد العديدة بالصوت والصورة - وبكلام أصحابه الذين لا يستطيعون نفيه أو إنكاره - عن حجم التخطيط والعمل المنظم لحشد الأتباع ولجمع التمويل من الأفراد و(الدول).
من المهم بل، من الضروري، وضع الناس أمام هذا الركام الخطير من التجييش، فالناس أولى أن تعرف حجم التهديد لأمنها واستقرارها، والحرب على الإرهاب التي خضناها في الخمسة عشر الماضية، كان الناس هم من وقف بالخط الأول للمواجهة عندما عرفوا وأدركوا أن الإرهاب يستهدف أمنهم واستقرارهم، وكما نجحنا في الحرب على الإرهاب، سوف ننجح بحول الله، في الحرب على فكر التنظيم والتحزيب والتجييش المنظم.
الخطاب المتأسلم الذي كان يدعو لصلاح الأمة وخيرها ويتلمس دروب الصالحين ويقدم إشارات الزهد.. اتضح أنه خطاب مواجهة ويطلب الحكم والسلطة، (شهوة الحكم)، وبالطبع سبيله إلى ذلك يتم عبر (تدمير الحاضر للانتقال إلى المستقبل)، وهذا هو خطاب القاعدة وداعش، وخطاب الخميني، وخطاب ومسلك كل الجماعات السياسية التي تسعى إلى السلطة.
هذا الخطاب الممتد والموزع بين لاعبين كثر وجهد منظم، طبيعي أن يمر على أغلب الناس لأن هؤلاء بطبيعة الحال مهمومون ومشغولون بحياتهم اليومية، وليس لديهم القدرة على الرصد والفرز والتحليل لهذا المحتوى الخطير المعد بعناية، ولكن مؤسسات الدولة لم تكن غافلة عن المتابعة وجمع الأدلة الواقعية.
الناس أمام هذا الخطاب الخطير مصدومة كيف: تم استغفالها واستغلالها طيلة السنين الماضية.. إنه سؤالنا جميعا!