د. جاسر الحربش
آخر مقطع فيديو شاهدته عن العبث بالبيئة صورة صحن أرز كبير فوقه كوم من العصافير مع تعليق من روسيا يقول: يبدو أن طيورنا المهاجرة تعجبها الحياة في السعودية لأنها لا تعود لروسيا على الإطلاق. في مقطع آخر يتربع مواطن أمام كوم كبير من الطيور الصغيرة الهامدة يسميها صيد اليوم. يدس يديه في الكوم وينثر كل مرة في الهواء عشرات منها مبتهجاً بالمذبحة البيئية. مواطن آخر يعرض على جانبي حوض شاحنته عدداً من الغزلان النادرة التي اصطادها في إحدى المحميات، وآخر علق بنفس الطريقة مئات الضبان المربوطة إلى بعضها بالحبال. مقطع آخر يعرض منظراً صحراوياً لصهريج مياه يمتد منه خرطوم طويل إلى جحر ضب. يخرج الحيوان الصحراوي المخدوع متخبطاً، ليمسك به الصياد من عنقه ويرفعه في الهواء بابتسامة عريضة. بالطبع كان معه من يصور المنظر تخليداً لذكرى القدرة الفائقة على إيهام الضب بالسيل وإغراقه ليخرج رغم أنفه من بيته الصحراوي الآمن.
مقاطع مطاردة الحيوانات في صحرائنا كثيرة، من صيد العصافير والجرابيع والضبان والغزلان إلى مطاردة الثعالب العجاف والذئاب الهزيلة بين الشعاب والهضاب وسفوح الجبال. لدينا هيئة حكومية لحماية البيئة الفطرية لها فروع وموظفون وميزانيات، ولكن نشاطها لم يمنع بما يكفي العبث الهمجي بالبيئة الصحراوية السعودية، التي كانت قبل عقود قليلة تنبض بالحياة بما تمتلكه من الكائنات الحيوانية والنباتية.
المؤكد أن الهيئة السعودية للحياة الفطرية لن تستطيع سد الثغرة المفجعة في عقل مستهتر جاهل لا يفهم معنى وأهمية التكامل البيئي بين الحيوان والنبات والإنسان من جهة، وبين انقشاع التربة المنبتة والعواصف المدمرة وتصحر البيئة من الجهة الأخرى. رحلات القنص والتجربع والتضبيب بعض من الممارسات المفضلة لأعداد كبيرة من السعوديين، مثلها مثل التطعيس وتجريف الكثبان الرملية وتخريم الشعاب ومجاري الأودية الطبيعية. ثقافة التعامل الحضاري مع البيئة عندنا صفر، بدءاً من طريقة التخلص من مخلفات البلاستيك والمطاط والمعادن في المدن والقرى، إلى كحت الأرض بأسنان وحوافر الآلاف من قطعان الضأن والماعز المفلوتة لتقتلع بوادر العشب الربيعي في كل موسم من جذوره ولا تبقي سوى أرضاً يباباً لا تنبت بعد ذلك حتى لو سقاها طوفان نوح. أصبح التعجب المتزايد من ندرة الإنبات والأعشاب في صحارينا رغم غزارة الأمطار حديث المجالس السنوي.
يجب على الأقل إدخال حصص دراسية وبرامج تلفزيونية لتثقيف الناس عن السلسلة الغذائية الطبيعية التكاملية، التي إذا فقدت حلقة انفصلت السلسلة وتناثرت حلقة بعد أخرى. لنأخذ على سبيل المثال قاتل العصافير في أول المقال. ذلك الشاب خسر على كل عصفور وطائر اغتاله على الأقل طلقة خرطوش من بندقيته المرخصة أو غير المرخصة، فقتل المئات من الطيور التي كانت تعيش على الحشرات والبعوض والخشاش الناقلة للأمراض، تلك الكائنات التي تتكاثر انفجارياً بأعداد مهولة إذا اختفت الطيور.
العصافير تتنقل بين الأشجار والحشائش لتوزع بذور اللقاح بين الفصائل والأنواع من نبتة إلى أخرى وتسمد بفضلاتها النيتروجينية منابت الأرض وتنقل بنفس الطريقة في فضلات بطونها البذور من مكان إلى آخر. بدون هذا الانتشار للطيور والحيوانات الفطرية تتكاثر الهوام والحشرات والخنافس والعقارب، وتنقرض النباتات والحشائش لانعدام التلقيح، وفي النهاية يكون التصحر والجفاف والعواصف.
لو أن ذلك المتفاخر بعصافيره المذبوحة اشترى من القصاب خمسة كيلوجرامات من اللحم لحصل على مردود غذائي ووفر مالي أكبر ولكفانا شره التدميري للبيئة، هو ومن معه من المتجربعين والمتضبضبين ولصوص المحميات.
ربما يحتاج الأمر بعد فرض التعليم والتثقيف البيئي إلى النظر في أحكام تعزيرية أو ما تراه الهيئات الشرعية من عقوبات رادعة لإيقاف العبث.