ميسون أبو بكر
السيدة الأمريكية من فلوريدا التي التقيتها في الرحلة البحرية بين إسبانيا وإيطاليا أمتعني الحديث معها وأردت أن نبقى على تواصل -فالعلاقات الإنسانية والصداقات أجمل هدية قد نتلقاها في محطة أوأخرى من محطات العمر- كنت سألتها عن رقم الواتس أب فأخبرتني أنها ستتواصل معي عن طريق الرسائل النصية SMS, وفوجئت أنها لم تعرف الواتس أب قبل طلبي.
الغرب لا يهتمون كثيرًا بالأجهزة الذكية، أو (أغلبهم) لأكون أكثر دقة بعيدًا عن المراهقين الذين يروق لهم عالمه من تصوير وألعاب إلكترونية وتواصل.
الثقافة في استخدام الهاتف حتمًا مختلفة، أكاد أجزم أنك إن اجتمعت بأحدهم لن تراه يخرج جواله من جيبه وربما لن يحمله معه إلى عشاء أو غداء حدد له ساعتين أو ثلاثة من الوقت.
بينما نحن نلتقي في حالة انفصام كل في عالمه الافتراضي، يمسك جواله وينشغل به في حالة مثيرة للخجل بخاصة إن كان في الجلسة غرباء مما يعني الانشغال عنهم وعدم الاستمتاع بالجلسة معهم، ولعلي لا أخفيك عزيزي القارئ إنني كثيرًا ما أشعر بالحرج حين يرن هاتفي بمكالمة واضطر للرد عليها لأنني إن لم أفعل لن يكف الطرف الآخر عن الاتصال ولن تتوقف الرسائل؛ وينك؟ ليه ما تردين! وقد لا تُختصر المكالمة في رد سريع بل؛ كيفك؟ كيف الأولاد؟ ش مسوين، ونفس الأسئلة المكررة بلا داعي.
تويتر صار حلبة للمصارعات وشغل من لا شغل له، وما أكثر الذباب الإلكتروني فيه والحسابات الوهمية، الواتس أب حدث ولا حرج عن مئات الرسائل التي لا تهدأ ليلا أو صباحا ومعظمها فوتوشوب أومكرر ومدلس، بل أصبح الواتس فضاء لتصفية الحسابات، وديوانية ليس لها وقت محدد، بل تداهمك مجموعات الواتس اب بإضافتك دون استئذان وفِي مجموعات لا تنتمي إليها فكريًا وثقافيًا بل أعضاؤها مكررون في أكثر من مجموعة.
والتطبيقات الأخرى التي تتيح المكالمات المجانية بددت الوقت، فبين الوقت والآخر يداهمك متصل على أساس أنها مجانية ليس بينك وبينه أكثر من أنك أضفت رقمه إلى جوالك بسبب تصليح جهاز أو توصيل طلبات وستعود وتندم عليه لاحقًا.
الفيس بوك وما أدراك ما الفيس بوك، فقد اضطررت أن أوقف حسابي لأعوام لأنني وجدتني مع الآخرين مثل قهوة بو سعد، (إللي عنده مواهب ما يوفرها)، ومرة عروض زواج وأخرى (شحادة) بطريقة إلكترونية، والمساحة الكبيرة بدون شك تتيح مساحة أكبر للكتابة والشرح والإزعاج.
الكثير على وسائل التواصل تحولوا إلى أطباء ودعاة ومنظرين، يداهمك الواحد منهم في سيارته بفيديو عن مواضيع مختلفة ولَم أعرف للآن سر الإلهام في السيارة بالذات أو ربما هي فرصة لعرض نوع السيارة وموديلها.
لا أنكر أبدًا أن وسائل التواصل الاجتماعي قطعت مسيرة طويلة في مد جسور التواصل وسهولة تيسير الحياة لكننا نستخدمها بشكل مبالغ فيه ولأمور تعدت المصلحة حيث أثرت على مسار الحياة اليومية وإعطاء الأعمال أهمية أقل ووقتًا أقل حيث بتنا نؤديها بشكل غير متقن.
ناهيك عن المضاعفات الصحية التي لم تظهر إلى الآن، أو مسكوت عنها لترويج هذه الأجهزة.
يتقن الغرب عمله لأنه لا يشغله عنه شيء ويمنع استخدام الأجهزة أثناء العمل أو الوظيفة، وليس من السهل لأحد اختراق خصوصية الشخص بدون داعٍ سواء برسالة أو اتصال.
أتمنى أن نشفى من جنون هذه الأجهزة ونعود لحياتنا الطبيعية وتواصلنا الصحي وإلى الالتفات لجمال ما حولنا بعيدًا عن هذا القفص الذهبي الذي حبسنا أنفسنا به منبهرين بعالمه منقطعين عن العالم الحقيقي.