مها محمد الشريف
لا شك أن الإعلام هو ذلك الوهج الذي يضيء فضاءات العالم، ووسيلة تعبِّر عن فَهْم ذاتي للواقع الاجتماعي، وعملية لا تتوقف عن البحث والتقصي بشكل مستمر، التي لا غنى عنها، سواء بالبناءات الأساسية للدراسات الإعلامية، أو في حياة الناس اليومية، من حيث وسائل الاتصال والعوامل المؤثرة للتقدم الحضاري في المجتمعات.
لننظر مجددًا بوجه خاص في تكوين مفاهيم الإعلام التي تتحول إلى تجربة، تنجح بكل دقة وثبات إذا تبيَّن على أي نحو يمكن الاضطلاع بمهمة التأسيس، وتحديد المجالات التي ينبغي أن يمتد إليها قبل أن نفسر علاقته بالعلم، والدين، والأخلاق، والفلسفة والمعايير الذاتية والمهنية المستخدمة في استراتيجياته..
من هنا يجدر بنا القول إن تطور الإعلام بوسائله الحديثة عالم مثير من تكنولوجيات متنوعة، خاصة تكنولوجيا الاتصال التي لها تأثير انتقائي على الفئات والعلاقات الاجتماعية، وتمثل الإحداثية الأساسية لأشكال الوعي والسلوك من خلال الدعاية والإعلام، إلى درجة ساد فيها الاعتقاد بأننا نعيش حياة مختلفة من خلال ثورة وضعت حدًّا لعزلة البشر، وبناء جديدًا للواقع الاجتماعي المقرب للمسافات وللامساواة الثقافية.. فهل وسائل الإعلام الجماهيرية والمستجدات أسهمت في انتشارها في الألفية الثالثة؟
ومكنتنا هذه الوسائل من التحرر بمدلولها لدى الباحثين، بأن الأمر يقتضي تفكيرًا نقديًّا في بنيتها ونظامها، ولا يستطيع الفرد التفريق بين الاتصال والإعلام، ويربطهما ببعض إذا لم يكن للإعلام دور في تعزيز المعلومة للعقل المتلقي؛ إذ تنطوي غاياتها وأهدافها في بناء علاقات إنسانية تنمو وتتطور، ولها القدرة على ضمان تواصل يكون فضاء للحرية وللإثراء النفسي والفكري.
إن ما يميز وسائل الاتصال اليوم ربطها بالواقع وطابعها الأحادي للتواصل.. وبناء عليه نتساءل: هل وسائل الاتصال بثٌّ أم تواصل؟ فكلما تعمقنا في تشخيص دور الإعلام ووسائل الاتصال نجد أن هدفه قائم على التمييز بين المحاكاة أو المشاركة، وتحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات في التحرر من التبعية وتأكيد الهوية القومية، والتشديد على أهميه دور الدولة في العملية الإعلامية.
ويعرِّف مارتن أندرسون الاتصال بالعملية التي نفهم من خلالها الآخرين ويفهموننا. أما تعريف الاتصال من قِبل عالم الاتصال الشهير ولبر شرام عام 1977 فهو: «المشاركة في المعرفة عن طريق استخدام رموز تحمل معلومات». ومن خلال هذه التعاريف الموجزة نوضح أن كثيرًا يخلط بين مصطلحَي الإعلام والاتصال، على الرغم من وضوح أهداف الإعلام بأنه يزود الجمهور بالمعلومات الصحيحة أو الحقائق، وتنوير الرأي العام للمجتمعات.
ولكن اليوم -وأعني في عصرنا هذا- للإعلام مهام أكبر وأضخم من هذا الدور والأنشطة الاتصالية، خاصة في الإعلام السياسي، وعلى قدر وافر من الأهمية في عالم يزداد تعقيدًا وتشابكًا.. وتأسيسًا على ذلك نجحت دول صغيرة من حيث المساحة والموارد والسكان في تقديم صورة إعلامية متكاملة وحديثة، وغزت الفضاء العالمي بإقناع المستمعين بالدعاية التي حققت فوائد لوجودها، ومصالح متنوعة.
استُخدمت الدعاية كغاية لتنويع الوسائل والأساليب للتأثير بالطرق كافة، وذلك بطرق حديثة ومنظمة، من خلال نقل أو نشر للمعلومات لنيل ما تريد إيصاله بآلية حديثة. وهذا ما يخص الدعاية التي تسخِّر وسائل الإعلام لتكوين الآراء والأهداف، وتسيطر عليها.
وهكذا نستطيع أن نوجز أهمية الإعلام في عالم تكنولوجي هائل باعتباره المصدر الرئيسي لخلق وتغيير الصور الذهنية السلبية، والقدرة على جعل المضمون مؤثرًا بوسائله الجماهيرية بالشبكات الإذاعية التي ترافق الفرد منذ بداية يومه (الراديو والبث الفضائي التلفزيوني والصحف) التي تؤكد أن جميع المستجدات لا تلغي أهميتها ودورها في التزويد بالأخبار والمعلومات عبر خصائصها المتطورة؛ لذلك ينبغي مراعاة تمييزها كناقل رسمي لكل ما يخطط له ويريده الإعلام.