فوزية الجار الله
بعد فترة من التنقل ما بين سطور الكتب والنهل من أنهار المعرفة، وبعد سنين من التأني والصبر والمجالدة لكافة الصعاب في سبيل حيازة المعرفة وبلوغ مستوى مقبول من العلم، تصبح قادراً على أن تكون معلماً بشكل أو آخر، قد لا يكون تعليماً مباشراً لكنك تصبح قادراً على تسويق ما لديك والإدلاء بصوتك والمساهمة في إشعال شمعة في موقع ما، هذا بعض من أمانيك المؤجلة ولأن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، لا تقول ذلك تشاؤماً بل إقراراً بحقيقة واقعة تفرضها طبيعة الكون وأبناء البشر السابقون والمجايلون لك والقادمون وسياق الأحداث إضافة إلى شيء من الحظ، ولأنك لا تفقد الأمل، لذا لاتمانع بأن تكون طالباً مستمعاً إطلاقاً في أي وقت لمن لديه علم مميز أومعرفة خاصة لا غنى لك عنها، كنا هناك مجموعة من السيدات، تأملتهن دون قصد، سريعاً وبمنتهى العفوية، بدت لي شابة متفتحة مرحة بملامح تعلوها ابتسامة وفي عينيها بريق يتماهى ما بين الفرح والأمل، حين انتهينا وقد احتوانا المصعد الكهربائي الذي استغرق وقتاً حتى استقر بنا في الدور الأرضي وعلى عجالة كنا في حديث ابتدائي نتعرف ببعضنا البعض، ذكرت بأن اسمها «زمن» ، أدهشني الاسم، لا أبالغ إن قلت إنها المرة الأولى التي أعلم فيها بأن « الزمن «يمكن أن يكون اسماً لامرأة!
قلت: ثمة سر يختفي وراء هذا الاسم. أجابت بلا تردد: نعم، والدي ووالدتي طالت خطوبتهما كثيراً، استغرقت حوالي سبع سنوات، كانت مدة طويلة بالنسبة لهما وحين تزوجا أخيراً اتفقا على تسمية أول أبنائهما «زمن» سواء كان ذكراً أو أنثى وقد كان الاسم من نصيبي أنا.. من منا لم يشغله الزمن بشكل أو آخر، وفي تراثنا الكثير حول الزمن تجده في الأساطير والحكايات، في القصائد الشعرية وفي الروايات والمسلسلات والأفلام، هو عامل مؤثر بقوة في البشر والأمكنة وساكنيها من بني البشر، هو الأساس لدورة الكون وليس للتاريخ معنى ولا قيمة إلا من خلال الزمن.
يقول بشار بن برد:
(وما أنا إلا كالزمانِ إذا صحا
صحوتُ وإن ماقَ الزمانِ أموقُ)
( ولما أخذته سنة من النوم وتسلطت عليه كالضباب، طلب أوتو - نبشتم من زوجته أن تخبز لجلجامش أرغفة من الخبز وتضعها عند رأسه وتؤشر على الأيام التي ينام فيها على الجدار) الكلمات السابقة تصدرت مقالاً جميلاً للكاتب والباحث والروائي «علي الشوك» حول الزمن وفي سياقها يقول:
(وفي العديد من اللغات يسمى اليوم بالجزء المضيء منه أي النهار، مثل «داي» الانجليزية التي أصلها «نهار» ثم صارت تفيد المعنيين، وأحياناً يقصد بالليلة اليوم بأكمله، كما هو الحال في العربية في قولنا أمضينا أربع ليال..)