د. أحمد الفراج
اغمض عينيك، وتخيل أن حكومة بلادك اتخذت قراراً إستراتيجياً ضد بلد آخر، يصنف على أنه بلد عدو، ثم، بعد ذلك، تسرب أن مسؤولا من بلدك، قابل مسؤولا من ذلك البلد بطريقة سرية وغير رسمية، وأوعز إليه أن لا يقلق بخصوص القرار، لأن الأمور قد تأخذ مسارا مختلفا!، فكيف ستصنف هذا المسؤول، وكيف ترى الطريقة المثلى للتعامل معه؟!، وهذا بالضبط ما فعله جون كيري، مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي، ضد الجمهوري، جورج بوش الابن، في عام 2004، ووزير خارجية أمريكا، في فترة أوباما الرئاسية الثانية، والأب الروحي للاتفاق النووي مع إيران، والذي يرتبط بعلاقة ودية مع أقطاب النظام الإيراني، خصوصا الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية، جواد ظريف، وغيرهم من المسؤولين الإيرانيين.
جون كيري، الذي يرتبط بعلاقة نسب مع أسرة إيرانية، لم يتعامل مع موضوع الاتفاق النووي على أنه موضوع سياسي معقد، بل إنه، وحسب تسريبات موثقة، تعامل معه على أنه موضوع بين أصدقاء، ولذا بذل كل جهد ممكن لإنجاز هذا الاتفاق، بإيعاز من أوباما، وهو الاتفاق، الذي تحدث عنه مستشار أوباما، بين رودس، في كتابه: «العالم كما هو»، وقال الكثير عن علاقة أوباما وكيري بإيران، إذ كانت علاقة حميمية عاطفية، مدفوعة بإعجاب كبير بالحضارة الفارسية، وكره شديد للعرب، والأسرار التي فضحها رودس، تجعلنا نتفهم غضب ترمب من هذا الاتفاق، إذ وصفه بالأسوأ، وبأنه مجحف في حق أمريكا، وهذا صحيح، إذ أن أوباما ضخ مليارات الدولارات لإيران بالطائرات، وهي الأموال، التي استخدمت إيران معظمها في مشاريعها التوسعية ودعم الإرهاب، بعلم من أوباما ووزير خارجيته كيري، اللذين صمتا عن دعم إيران لداعش، حتى لا تغضب وتنسحب من الاتفاق النووي.
لا شك أن انسحاب ترمب من الاتفاق النووي أوجع أوباما وكيري، فهو الإنجاز الوحيد لهما، وقد بذلا جهدا هائلا لإنجازه، وتحملا في سبيل ذلك كل أشكال الإهانات من إيران، التي وصلت حد اعتقال جنود أمريكيين وإذلالهم، ولكن أن يتجرأ كيري، ويقابل مسؤولين إيرانيين بشكل سري، ليطمئنهم بأن لا يقلقوا، وأن ترمب سيرحل، في مخالفة صريحة للسياسة الأمريكية القائمة، فهذا يدخل في خانة الخيانة، فالوزير كيري، وضع مصلحته الشخصية فوق المصلحة الأمريكية العليا، لأنه سيترشح للرئاسة مستقبلا، ويطمح في أن يكون الاتفاق النووي إنجازا يفخر به، وربما يحمله إلى البيت الأبيض، ومع كل ذلك، لم يتحدث الإعلام الأمريكي عما فعله كيري رغم خطورته، فهذا الإعلام مشغول بشيء واحد، وهو ترمب، ومن هنا يستطيع المتابع تقييم كل ما يسطره هذا الإعلام عن ترمب، ويحكم بنفسه في نهاية المطاف!.