د. عبدالحق عزوزي
قال تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية صدر منذ أيام إن واشنطن وشركاءها قطعوا «خطوات كبيرة» في هزيمة ودحر الجماعات المتطرفة مما ساهم في خفض الهجمات الإرهابية على المستوى الدولي بنسبة 23 في المائة خلال عام 2017.
وفي التقرير السنوي عن الحرب الأمريكية ضد الإرهاب في جميع أنحاء العالم، قالت الخارجية إن هجمات المتشددين تراجعت على مستوى العالم بنسبة 23 في المائة خلال 2017 مقارنة بعام 2016 بينما تراجعت نسبة القتلى بنحو 27 في المائة.
وقال ناثان سيلز منسق الولايات المتحدة لشؤون مكافحة الإرهاب، الذي أصدر مكتبه التقرير بتفويض من الكونجرس، إن الانخفاض سببه بشكل أساسي تراجع هجمات المتطرفين في العراق بشكل جذري.
وحررت القوات المدعومة من الولايات المتحدة وفصائل عراقية تقريبا كل الأراضي التي كانت تحت سيطرة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بما في ذلك مدينة الموصل.
وعلى الرغم من انخفاض الهجمات دولياً، إلا أن التقرير حذر من أن تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة وأتباعهما تمكنوا من التأقلم مع خسائرهم بانتهاج أسلوب التفرق الأمر الذي جعل التحرك العسكري ضدهم أكثر صعوبة بعد أن قطعت الولايات المتحدة وشركاؤها شوطا كبيرا ضد الجماعات الإسلامية المسلحة العام الماضي.
وهذا هو طبيعة الإرهاب العالمي: التأقلم... وهو من أكبر الفاعلين في النظام العالمي، لا عقل له ولا روح، يأتي على الأخضر واليابس، يضع للظلم والانتهازية والتقتيل عناوين إيديولوجية، ويعطي للجشع كما يضفي على الانحراف هالة من الدين، ويجعل سفك الدماء ظلما وعدوانا وقاعدة أساسية مبررة بالإيديولوجية والدين... ولا غرو أن ما تبقى من الإرهابيين، فهم يستفيدون اليوم من فشل بعض الدول في تسيير الشأن العام وبناء نظام سياسي موحد كالعراق وسوريا وليبيا، ويستفيدون من العولمة التي تجعل الجميع يعيش في قرية واحدة وتحت سقف واحد، حيث إن منصات وسائل الإعلام الاجتماعية مثل «يوتيوب» و»فيسبوك» و»تويتر» تقوم بالدعاية لإيديولوجيتهم، والتجنيد الرقمي والميداني للآلاف من الملوثة عقولهم في العالم بأسره بما فيهم صغار السن، والتشهير بجرائمهم الوحشية... وهي تصرفات جاهلية لا علاقة لها بالدين؛ وللأسف فهاته الموجة اللامتناهية من الإرهاب تعرف أوجهها في منطقتنا العربية ليأخذ هذا الإرهاب شكل الدين ووصف الشريعة وليضطرب كل من الفهم الديني والعمل السياسي وليضطرم كل خلاف وأية خصومة مادامت تكتسب من الدين قوة عاطفية وتقتبس من الشريعة قوة عارمة.... وأصبح خليفة الإرهابيين معصوما في فعله وقوله، مستبدا في الرأي والحكم، رقاب الناس هي ملك له، ودولة الخلافة هي ضيعة خاصة له، يعطي الحياة ويهب المال نزوة أو شهوة، ويأخذ الحياة أو يأخذ المال غصبا أو غضبا؛ يحوم حوله بعض الإيديولوجيين المارقين الذين يبررون له كل المظالم باسم الدين، ويقتبسون من بعض البشر أقاويل في نظرهم هي منهاج الحياة الدينية الصحيحة كأنه ليس هناك وحي ولا رسول أرسل بالحنيفية الوسطية السمحة، ليحسنوا كل المساوئ ويزينوا كل الخطايا وليصدروا ضد أي خصم أو معارض بل وحتى مسالم فتاوى بأنه كافر ملحد مفسد في الأرض يحل دمه شرعا.
ومما يزيد الطين بلة أن هذا الإرهاب المجالي هو نتيجة لإرهاب لا مادي أو لا مجالي مبني على الإقناع الإيديولوجي وعلى الشعارات السياسية الدينية الخاطئة وعلى الصيغ الهلامية التي لا تناقش بالعقل بل تتوالى وتنتشر بنهج الإعلان، وهو ما يفسر العمليات الإرهابية الفردية في الدول الغربية في السنوات الأخيرة، وهو ما يمكن تسميته بالإرهاب العابر للقارات؛ ولا يجب أن ننسى إلى ما تقوم به دول من تشجيع لهذا النوع من الإرهاب، ونخص بالذكر إيران من خلال الحرس الثوري وفيلق القدس ورعايتها لجماعات مثل حزب الله اللبناني والكثير من الجماعات الشيعية العراقية، ولكن الجانب الأكبر الذي غفله أو تغافله تقرير وزارة الخارجية الأمريكية في الاستراتيجية لمحاربة الإرهاب كما هو شأن التقارير السابقة هو الجانب الفكري والإيديولوجي الذي يجب الاستثمار فيه، والنجاح فيه إنقاذ للأجيال المقبلة ولكل البشرية وهو الذي يجب أن يقوم على تجديد للروح وتحديث للعقل، لنبني في مجتمعاتنا وعيا فائقا بالماضي والحاضر والمستقبل بقوانين العلم وأساليب الحياة، بنظام الكون ومنطق التاريخ، وهاته مهمة مجتمعاتنا العربية نحن بالدرجة الأولى من خلال الاستثمار الأمثل في المدرسة وعقول الناشئة والتربية والتعليم.