أ.د.عبد الله بن سليم الرشيد
نفسي الطَّموحُ لها مآربُ أربعٌ
قسَّمتُهنَّ على الجهاتِ الأربَعِ
ونظرتُ في وجهِ المآبِ فلم أجدْ
في مهجعي إلا مُناي ومهجعي
ظمآنَ أرتشفُ التماعةَ غيمةٍ
حيرانَ أستفتي غموضَ البلقعِ
كالجاهليّ على طلولِ خليلِه
يبكي وينثرُ وجهَه في الأربُعِ
***
ما زلتُ منذُ عَركتُ أوّلَ أحرفي
أشكو انطفاءاتٍ علِقْنَ بإصبعي
متدثّراتٍ بالسكونِ فلا يدٌ
تمحو، ولا لحنٌ يرقِّصُ مِسْمَعي
شوقي اللذيذُ معي، وبعضُ قصيدةٍ
لم تكتملْ، ومساءُ حُسنٍ ألمعي
ولديَّ من عسلِ الصباحِ بقيّةٌ
تبتزُّ بالذكرى صَبايا أدمُعي
***
النهرُ ينشجُ في المصبِّ لأنه
هَرِمٌ يحنُّ لذكرياتِ المنبَعِ
وأنا هنا منذ احترثتُ حكايتي
ومعي سنابلُ دهشةٍ لم تهجَعِ
ريّانَ بالألوانِ أَوْرَقَ مَغربي
وزها بأختامِ المجرّةِ مَطْلَعي
وزرعتُ في حقلِ السماءِ كواكبي
فتكوّرَ الثمرُ المضيءُ بأضلعي
وانداح في عينيَّ نجمٌ مترَفٌ
وتسلّلتْ أختُ الزمانِ لمضجعي
ودنا إليَّ من السحابةِ شاعرٌ
نَطَفَتْ قريحتُه بأعذبِ مقطعِ
صافحتُه ونسيتُ بعضَ أصابعي
في كفّه وأخذتُ مقلتَه معي
وتبرَّجتْ من حولنا أُهزوجةٌ
حمراءُ تُبدعُ غابةً من أذرُعِ
ثم افترقنا، طار حيثُ وِسادُه
ومضيتُ أنقشُ في الضميرِ توقّعي
والباقياتُ الصالحاتُ: قصيدةٌ
حُبلى، وجمرةُ سامرٍ متخشِّعِ
وسألتُه: ما للزيارةِ أجفلتْ
لم ننسكِبْ قُبَلاً ولم نتجرّعِ؟
لِـمَ قطّعتْ كفّاك سُبحةَ فرحتي
وأقمتَ للنجوى (صلاةَ مودِّعِ)؟
فأجاب: (حسبُك لحظتان) وزادني
بيتًا تلبّسَ لي نيوبَ المِبْضَعِ:
(سُخريَّةُ المعنى تفيضُ إذا هفا
لصداقةِ الأمشاطِ رأسُ الأصلعِ)
***
أنا ما ابتكرتُكَ غيمةً إلا لكي
ترتادَ مقلتُك النديّةُ بلقعي
ونسجتُ منك روايةً معجونةً
في زَفْرتي، مغموسةً في مَدمعي
وقصيدةً تعلو انتشاءً كلما
ضاق المقامُ بشاعرٍ متنطّعِ
في (معجم الغرباء) بِتَّ مقدَّمًا
وأنا لفهمكَ حُزْتُ قلبَ (الأصمعي)
وأراكَ دَهري، لستُ منك بهاربٍ
أيّانَ تهربُ مقلةٌ من أدمعِ؟
لكنني -وأنا وراءكَ موعدٌ
شَرِقٌ بشوقٍ في السَّديمِ مضيَّعِ-
متفهِّمٌ وجَعَ الحدائقِ إذْ طغى
صخَبُ البُغاثِ بجانبِ المستنقعِ
***
حطّمتُ ضِدَّكَ عابرًا متورِّمًا
بـ(أناهُ) تَطعَمُ مقلتاهُ توَجُّعي
ماذا سوى كدَرِ الدخانِ وضجّةٍ
ودمٍ تسطّرُ ذكرياتُ المدفعِ؟