حمّاد السالمي
* إن أولى المكاسب التي تحققت لهذه البلاد على يدي (الملك عبد العزيز آل سعود) رحمه الله؛ هي (السيادة الوطنية). السيادة التي لم تعرفها جزيرة العرب من قبله طيلة قرون عديدة، وخاصة القرون الستة التي حكم فيها الترك، وجعلوا لهم خُدّامًا بمسمى (حكّام) في الحجاز واليمن والأحساء وغيرها من الجزيرة العربية.
* قال (الملك عبدالعزيز رحمه الله) بعد أن استتب له الأمر: (تأكدوا من أمر واحد؛ هو أني لم أدع للأجانب نفوذاً في بلادي، وإني بعون الله سأحافظ على استقلال وطني). استقلال.. مفردة لم يعرفها أهل هذه البلاد قبل مئة عام، يوم كان الترك يولون عليهم من بينهم من يسومونهم سوء العذاب. هذا هو الحاكم (عبد العزيز آل سعود)، الذي ينطلق بسلطات سيادية عربية حرة، لا تدين لخليفة أو حاكم من خلف البحار. ها هو يقول: (لست ملكاً بمشيئة أجنبية، بل أنا ملك بمشيئة الله، ثم بمشيئة العرب، الذين اختاروني وبايعوني).
* إن العارف بتاريخ هذه البلاد والمراحل التي مرت بها على مدى قرون عدة؛ يدرك أنه منذ العهد الأموي حتى عهد الدولة السعودية الفتية؛ لم يكن هناك استقلال ذاتي لأي شبر فيها، لا في شرقها ولا في غربها أو جنوبها أو شمالها. كان هناك حكام محليون ينفذون إرادات لدول قائمة خارج الجزيرة العربية. في الشام أو العراق أو مصر. كان هؤلاء الحكام- وعلى الأخص في مدن الحجاز التي لها طابع ديني يهتم به السلاطين والخلفاء في الدولة الأموية ثم العباسية ثم فيما بعد العثمانية والتركية- مجرد ممثلين وموظفين تابعين، ينفذون سياسة سادتهم في تلك البلاد البعيدة، وتَمثل هذا الدور في العهد العثماني أكثر وأكثر، حيث ظل السلاطين الأتراك يختارون من العرب حكامًا موالين وتابعين، يدفعون لهم مقابل قمع العرب وإذلالهم، فطيلة ستة قرون للدولة العثمانية؛ لم يكن في مكة ولا المدينة أو جدة والطائف، أو حتى في جنوب الجزيرة العربية وفي شرقها وشمالها؛ حكومة مستقلة، ولا شعب حر غير تابع، وظل هؤلاء الحكام في مدن الحجاز تحديدًا، أمناء على التابعية للسلطنة أو حاكم القاهرة الذي يدفع لهم أكثر، حتى أن الشريف حسين حاكم مكة في ذلك الوقت؛ وعندما ارتمى في أحضان الإنجليز للخروج من تبعيته التركية، وتحقيق حلمه في أن يكون ملكًا على العرب؛ وصمه الأتراك هو وبقية العرب بالخيانة وقالوا: (عرب خيانات)..! والحقيقة أن الخيانة العظمى التي سبقت هذه وتستحق أن تعرف كذلك؛ هي خيانة العرب لبعضهم البعض، والتسلط عليهم وضربهم بسوط الأتراك ستة قرون.
* عندما ظهر (الملك عبد العزيز) رحمه الله، وبدأ في لمّ شتات عرب هذه البلاد انطلاقًا من الرياض؛ كان يحمل أكثر من رسالة في شخصية قيادية فذة فاجأت كل المراقبين في كل مكان. رسالته الأولى كانت تحقيق سيادة العرب الوطنية المفقودة على أرضهم. قال رحمه الله في ذلك: (كان هدفنا قبل أن نوحِّد الأرض؛ أن نوحد النفوس، وأن نوحد الأفكار، ولن تنجح هذه الأمة على امتداد رقعتها الجغرافية؛ طالما بقيت ممزقة). وهو القائل كذلك: (أنا عربي، وأحب قومي، والتآلف بينهم، وتوحيد كلمتهم، وأبذل في ذلك مجهوداتي، ولا أتأخر عن القيام بكل ما فيه المصلحة للعرب، وما يوحد أشتاتهم ويجمع كلمتهم). هذه الرؤية النهضوية من (الملك عبد العزيز)، لفتت أنظار النقيب: (وليام هنري ارفيان شكسبير)؛ في رسالة كتبها إلى (كوكس) يصف فيها مؤسس الدولة السعودية الثالثة قال: (تحرك عبدالعزيز وطنية صادقة، وولاء لوطنه، وتقديس عميق مؤصل لدينه، ورغبة أكيدة لا يخامرها ظل شكٍّ أبداً في العمل على خدمة مواطنيه والوصول بهم إلى السلم والأمن).
* لا يأتي اليوم الوطني؛ إلا ويتجدد أمام الأعين الكثير من صور المنجزات المتحققة في عهد المؤسس والموحد (الملك عبد العزيز آل سعود) رحمه الله. والكثير الآخر الذي تحقق كذلك على أيدي الملوك العظام من أبنائه: (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله) رحمهم الله. ثم ما نشهده ونعيشه من منجزات حضارية كبيرة تتحقق في عهد الملك المفدى: (سلمان بن عبد العزيز) وولي عهده (الأمير محمد بن سلمان) رعاهما الله.
* كثيرة هي المنجزات التي تحققت على يدي (الملك عبد العزيز) رحمه الله. منجزات سياسية وأمنية وحضارية لا تعد ولا تحصى، إلا أن أهمها هو الذي بنيت عليه كل المنجزات الحضارية فيما بعد. هو المنجز: (السياسي- السيادي). نعم.. من حاكميّات ذليلة صغيرة عميلة؛ تتبع سلطة غير عربية خارج محيطها، وتقمع العرب وتتحارب فيما بينها؛ إلى دولة عربية حرة مستقلة، لها سيادتها وإرادتها وحكمها الذي لا يأخذ الأوامر والنواهي من سلطان أو خليفة أو حاكم دولة بعيدة عن جزيرة العرب والحجاز، ويتحكم في أهلها، ويُدعى له على منابر الحرمين الشريفين.. ومقابل ماذا..؟
* فطيلة اثني عشر قرنًا وما عدا مشروع عين زبيدة الذي نفذته السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد؛ لم تشهد الأراضي المقدسة أي مشروع يخدم سكانها والحجاج والمعتمرين، ولا حتى مدرسة واحدة، أو مشفى واحد. كان الهنود والجاوة هم من أسس بعض المدارس وقتها، وكان همّ السلاطين ينصب على بناء القلاع الحربية، ليتحصن فيها جندهم، ويرهبون العرب من خلالها بمخالب الحكام من أتباعهم في مكة والمدينة والطائف وجدة وغيرها. هذا هو الأثر الوحيد الذي يسجله التاريخ لمن كان يتحكم في هذه الديار قبل (الملك عبد العزيز) رحمه الله.
* عندما جاء (الملك عبد العزيز) رحمه الله؛ حقق للعرب في هذه البلاد سيادتهم المنقوصة.. بل المفقودة على أيدي حكام كانوا منهم، لكنهم لا يملكون من سيادتهم هم أي شيء. عرفت هذه البلاد بعد ذلك طعم الحرية، وعرفت الأمن والأمان الذي لم يتوفر في السابق حتى لحجاج بيت الله وزواره. بعد مئين من السنين؛ انتشر بين الناس التعليم في الكتاتيب والمدارس، وظهرت بينهم المشافي الصحية، وقامت في مدنهم وقراهم مشاريع زراعية وعمرانية وحضارية لم يعهدوها من قبل. شهد الحرمان الشريفان مشاريع للتوسعة والتيسير على الحجاج، وفي المشاعر المقدسة وما يفضي إليهما من طرق ومحطات؛ لا عهد لأحد بها في زمن سابق لهذا العهد الزاهر.
* هذه الصورة الفائقة الجمال.. وأقصد صورة السيادة القومية والاستقلال والحرية التي وفرتها الدولة السعودية في أنحاء المملكة منذ يومها الأول، كانت هي الأساس الذي قامت عليه منجزات حضارية عصرية غير مسبوقة. فإنسان هذه الأرض الذي كان يُقتل قريبه فلا يأخذ حقه؛ لأن القاتل دخل في وجه الحاكم فحماه بمقابل..! والذي كان لا يأمن على دمه وعرضه وأرضه، والذي كان لا يفتكره الحاكم المستبد باسم سيده في اسطنبول؛ إلا إذا أراد أن يسخره، فيأخذ من ماله أو عياله لحرب عبثية هنا أو هناك.. هذا الإنسان في مدينة طرفية أو قرية بعيدة؛ صار يفتكره الحاكم السعودي بمدرسة، ومسجد، ومشفى، ورعاية صحة واجتماعية، وطريق، وماء، وكهرباء، ودمج في ثقافة مجتمعية بانية للغد بكل جد واجتهاد.
* إن احتفالنا باليوم الوطني المجيد كل عام؛ فرصة ثمينة للتوقف والتبصر في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. ماضٍ عاش فيه أهل الأرض غربة وانفصامًا مع وطنهم الذي لم يكن لهم ولا هم له، وحاضر أخذت تتقوى فيه الصلة بين الإنسان ووطنه وذاته، ومستقبل ترتكز دعائمه على العلم والعمل، الذي توفر بالأمن والأمان، وتعزّز بأيقونة السيادة الوطنية، التي غرسها في قلوبنا مؤسس هذا الكيان، ومهندس وحدته: (الملك عبد العزيز آل سعود) رحمه الله.
* كل يوم وطني؛ والكل في وطني بأمن وأمان، وخير وسلام.