شباب كل أمة من الأمم هو عدتها وعتادها الذي توجه به مستقبلها، وذلك لأن الشباب هم بعض الحاضر وكل المستقبل والمملكة العربية السعودية قد قدمت لشبابها كل ما تستطيع تقديمه من زاد روحي وثقافي وعلمي ومادي، وملايين الشباب في المملكة يعرفون لقادتها عنايتهم واهتمامهم بكل ما يعود على الشباب في حاضرهم ومستقبلهم بالخير، ويعود على الأمة كلها بالتقدم والرخاء.
ولكن شباب الأمة في هذه البلاد ينبغي أن يتميز بالوعي والمعرفة بتاريخ بلاده، وما كانت عليه، وما تطورت إليه على يد قادتها من ملوك الأسرة السعودية المجيدة، ففي عشرات قليلة من السنين - وهي مدة وجيزة في حياة الأمم والدول - قفزت المملكة بفضل الله وبالحكمة التي تميز بها قادتها - من الضعف إلى القوة والمنعة، ومن ضيق العيش إلى سعة الرزق، ومن الانغلاق إلى الانفتاح على العالم كله حتى غدت المملكة صورة مشرقة للدولة الإسلامية في العصر الحديث - حفاظا على العقيدة وذودا عنها ومعاونة للمسلمين في أنحاء العالم - وإصلاحا لأحوال الناس حتى أصبح التقدم الحضاري مضرب الأمثال بين الدول الإسلامية المعاصرة، لم يكن ذلك أمرا هينا بل اقتضى جهدا وجهادا من قادة البلاد، ومواجهة لكل أسباب التخلف وسباقا مع الزمن لكي تلحق بالعصر الذي تعيش فيه، وقد أفلحت في ذلك بفضل الله، وكان لقادتها وللشباب أكبر الأثر في النجاح والفلاح.
إن شباب المملكة ينبغي أن يعرف قصة هذا الكفاح، وأن يستخلص منها العبر، وأسباب النجاح - وهذا ما ينبغي أن تعرضه أجهزة الإعلام على الشباب وربما يرى البعض مظاهر التقدم والعمران ويشهد أمامه دولة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فيظن أن ذلك لم يسبقه جهاد وإخلاص من قادة هذا البلد العزيز، وجهد كبير من شباب أخلص لله ولمليكه ولوطنه.
وحتى يتذكر شباب هذه الأمة، والجيل القادم منها قصة الكفاح وملحمة التقدم والازدهار، فإنه يكفي أن ينظر حوله بعين الإنصاف والاعتراف بالجميل، وأن ينظر من حوله إلى بلاد إسلامية أخرى نأمل أن تصل في مستقبلها إلى ما وصلت إليه المملكة، وحين ينظر الشباب إلى ما حققته المملكة على كل الأصعدة فإنه سيعي العبرة، ويتسلح بالأمل في المستقبل ويشارك بإخلاص في بناء وطنه، ويعرف قبل ذلك وبعده فضل الله عليه، ويدرك مقدار ما قدمه ويقدمه ملك هذه البلاد وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان من خير للناس في دينهم ودنياهم.
إن كل مؤسسة تعليمية من بين الكثير من المدارس والمعاهد والمراكز والكليات والجامعات لتبرهن على النقلة الهائلة التي حققتها بلادنا، من بلد عشش فيه الجهل والأمية ردحا من الزمن إلى موطن يشع فيه العلم والنور.
إن كل قطرة ماء من بين بلايين الأمتار المكعبة من المياه المحلاة أو الجوفية، التي بذل فيها الغالي والنفيس، إيمانا بقوله تعالى: {وجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (30) سورة الأنبياء، معجزة تحول البحر الأجاج إلى ماء عذب سائغ للشاربين، وتحول الصحراء المقفرة إلى حديقة غناء وارفة الظلال.
إن كل شبر من أرضنا الخضراء لبرهان على أن استحالة زراعة الصحراء أصبح وهما من الأوهام، فتحولت بلادنا من بلد مستهلك إلى بلد منتج، ومن مستورد إلى مصدر.
إن كل مصنع من بين آلاف المصانع لبرهان على القفزة التقنية التي شهدتها بلادنا، من بلد كان يعتمد على حرف يدوية محدودة إلى مدن صناعية تنتج أكثر الصناعات إتقانا.
إن كل طريق من بين الأميال المعبدة لدليل على أن الجبال الشاهقة والأودية السحيقة، والبحار العميقة لن تقف عائقا لعجلة النمو والتطور.
إن كل ريال من بين آلاف المليارات التي بذلت في الخطط الخمسية المتتابعة لشاهد على أن الإنفاق على التنمية مستمر بسخاء حتى لو بلغ أرقاما فلكية.
إن كل مصحف من بين ملايين من الكتاب العزيز وترجمات معانيه إلى مختلف اللغات الإنسانية، من إصدارات مجمع الملك فهد لبرهان على تمسك هذه البلاد بعقيدتها وإيمانها بدستورها، وحرصها على نشر الحق وترسيخ العدل.
ولعظم مكانة السنة النبوية لدى المسلمين، كونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، واستمراراً لما انتهجته هذه الدولة من خدمتها للشريعة الإسلامية ومصادرها، ولأهمية وجود جهة تعنى بخدمة الحديث النبوي الشريف، وعلومه جمعاً وتصنيفاً وتحقيقاً ودراسة فقد تم إنشاء مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف) يكون مقره المدينة المنورة.
ويكون للمجمع مجلس علمي يضم صفوة من علماء الحديث الشريف في العالم، ويعين رئيسه وأعضاؤه بأمر ملكي.
إن كل لبنة من لبنات توسعة الحرمين الشريفين، والخدمات الجليلة التي تقدمها بلادنا لملايين الحجاج والعمار؛ لدليل على أن المملكة لم يشغلها البناء لدنياها عن البناء لآخرتها.
إن سياسة الباب المفتوح بين قادة هذا البلد ومواطنيهم لبرهان على أن أحدث أساليب الحكم قد وصلت إلى ذلك المستوى الرفيع من التلاحم بين الراعي والرعية، والحاكم والمحكوم، وبين القاعدة والقيادة.
إن المستوى الذي وصلت إليه المملكة أصبح محط أنظار شعوب العالم، وكمثال على ذلك ففي احد المؤتمرات التي شاركت فيها في إحدى العواصم العربية اتضح أثناء رصد التوصيات أن الآمال أصبحت واقعا ملموسا في المملكة.
إن بلدا هذه صفته ليس أمامه إلا أن يصعد إلى قمم العزة، وأن يتوج بتعزيز مكانته في المحافل الدولية، ليتبوأ المنزلة السامية اللائقة به، والتي هو أهلها وجدير بها.
هذه خواطر أردت أن أتباهى بها تعبيرا عن الرضى والامتنان، ولأنه واجب - بل دين -على كل مواطن ينعم بأمن هذا الوطن واستقراره وخيره، أن يسعى بكل ما أوتي من قدرة وقوة لخدمته وتعزيز مكانته، وإيمانا مني بضرورة تضافر الجهود للتمسك بما نحن عليه من لحمة ووحدة وتعاون، والدفاع عنه وحماية هذه المكاسب والمنجزات من كل عابث أو أفاك، وقد سبق لي أن طالبت بتطبيق هذه القاعدة وهي : أن كل مواطن على ثغر من ثغور هذه البلاد فالله الله أن تؤتى البلاد من قبله، وإذا أمكن تطبيق هذه القاعدة أصبحنا كلنا على قلب رجل واحد ولبلغنا القمة في الوحدة والتعاون وتم نبذ الفرقة والخلاف ولسلمنا من شناعة التصنيف بما لا تحمد عقباه.
حفظ الله بلادنا من كل سوء، وبارك قيادتها وأعز جندها.
** **
أ.د.محمد بن أحمد بن صالح الصالح - أستاذ الدراسات العليا بجامعات المملكة وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والخبير بمجامع الفقه برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ومجمع الفقه الدولي