د. محمد عبدالله الخازم
قبل عقدين من الزمان أسس مركز الملك سلمان الاجتماعي (أمير الرياض حينها) وحدثت نقاشات اضطرت مؤسسيه إلى عدم التركيز على استخدام كلمة المسنين في اسم المركز والتنازل عن فكرة مركز الإقامة والإيواء للمسنين ... إلخ. المبرر لذلك؛ المسن مكانه وسط أسرته ومأسسة رعاية المسنين قد تحث الناس على عقوق الوالدين. تلك وجهة نظر لها تقديرها، لكنها لم تهتم بشكل كاف بكبار السن المهملين في دور النقاهة أو في المستشفيات أو في بيئات معيشة غير ملائمة. يعاني بعض كبار السن من أمراض لا تستطيع الأسر الوفاء باحتياجاتها في ظل انشغال أفراد الأسرة في أعمالهم ومشاغلهم، مما قاد إلى عزل كبير السن عن المجتمع تعتني به أحياناً كثيرة خادمة لا تجيد لغته ولا تجيد العناية الصحية به.
أستطيع القول بأن الوضع تحسن كثيراً، حيث زاد الوعي والاهتمام بأوضاع واحتياجات كبار السن، وجزء من ذلك يعود لوجود فئة من المسنين ذاتهم أكثر تعليماً ولتقدمنا العلمي بتأهيل كوادر سعودية متخصصة مثل الكوادر الصحية من أطباء وأخصائي علاج طبيعي وتمريض وغيرها. كما يعود لتأسيس منظمات أهلية تلعب دوراً ملحوظاً كالجمعيات العلمية والخيرية ذات العلاقة.
الدكتورة نانسي كارلين (2016) وآخرين، على سبيل المثال، درست واقع المسنين وقارنت المتغيّرات سواء التعليمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي حصلت في المملكة واستطلعت آراء كبار السن حول طبيعة حياتهم والصعوبات والمفاهيم التي يرونها، وأبانت نقص نشاطاتهم البدنية وقلقهم من الموت وظروفهم المادية غير المناسبة ومعاناتهم الصحية ... إلخ. وأشارت إلى عيش المسن لدينا وسط الأسرة التي تعتني به وكيف أنه متدين ويهتم بالدين ... إلخ. مثل تلك الدراسات يجب أن تدلنا على الواقع الذي تعيشه هذه الفئة وكيف نساعد في التغلب على الصعوبات التي تواجههم. أحياناً لدينا خدمات نقدمها للجميع بمن فيهم كبار السن لكن بشكل غير مقنن، فعلى سبيل المثال، نتعامل صحياً مع كبير السن كأي مريض من ناحية إتاحة فرص العلاج له، ولكننا لا ندفع بتأهيل كوادر كافية في هذا الشأن وليس لدينا لوائح وأدلة واضحة لطرق علاجهم ولا نملك إستراتيجية صحية تميزهم أو تنظر لهم بشكل خاص ضمن منظومة الخدمة الصحية. على سبيل المثال، توصلت الدكتورة نسرين جستينية وآخرون في دراسة حديثة (2018) إلى وجود مبالغة في صرف الأدوية لكبار السن بالمملكة؛ وذلك مؤشر إلى استسهال صرف أدوية لهم دون أدلة منظمة لذلك ودون تقديم خدمات اجتماعية ونفسية وتثقيفية مكملة لذلك..
يقدَّر عدد كبار السن في المملكة وفق تصنيفات منظمة الصحة العالمية حوالي 5 % من عدد السكان ويتوقّع زيادته بشكل مطرد ليصل إلى 25 % خلال ثلاثة عقود، وعليه نحن بحاجة إلى عدم إهمال قضاياهم والعناية بهم بشكل أفضل مما هو موجود الآن. على وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة العمل على تأسيس بنية تحتية مناسبة لخدمة كبار السن وعدم ترك الأمر مجرد اجتهادات من أفراد أو جمعيات خيرية ذات قدرات محدودة.