اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
«فوق هام السحب.. وإن كنت ثرى» أنشدها أخي صاحب السمو الملكي الأمير البدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، الشاعر المبدع، صاحب الحس الرقيق المرهف، مهندس الكلمة؛ بل قل: بدر البدور الذي طالما تغنى لوطن المجد والعز والفخر، وطن الأوطان الذي ما مثله بهذه الدنيا بلد.. وطن الرسالة السامية العظيمة التي تضيء الطريق للبشرية جمعاء، وتنثر الخير في كل مكان، وتعمل جاهدة لبسط الأمن وتحقيق الاستقرار للعالم أجمع. فأبدع أخي الأمير الشاعر البدر؛ إذ كان يرى بحسه الشاعري الرقيق تلك المكانة السامية العالية، لوطن طالما ضحى قادته بالغالي والنفيس من أجل تأسيسه واستقلاله وأمنه واستقراره ورفاهية شعبه، واستمرار قافلة خيره القاصدة إلى الأبد إن شاء الله. وكأن البدر قد استشرف بتلك الأغنية الوطنية الخالدة في وجدان السعوديين رؤيتنا الطموحة الذكية، التي هندسها ولي عهدنا الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قبل ثلاثة عقود تقريبًا؛ إذ أنشد البدر رائعته تلك عام 1989م.
«أجل، فوق عالي الشهب.. يا أغلى ثرى»..
لحنها فنان العرب الأخ محمد عبده، وصدح بها، الذي طالما تغنى للوطن بأعذب الألحان؛ فأضفى بصوته الرخيم على كلماتها الرائعة الصادقة النابعة من وجدان البدر رونقًا، جعلها على لسان كل سعودية وسعودي حيثما كان، من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، ومن أقصى الشرق حتى أقصى الغرب في هذا الوطن العزيز الغالي، الذي ما مثله بهذه الدنيا بلد، كما أكد أخي الشاعر البدر وهو صادق؛ إذ كيف يعقل أن يكون ثمة مثيل في الدنيا لبلد شرفه الله بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من كل فج عميق من حجاج ومعتمرين وزائرين، فجعل فيه أول بيت وضع للناس، واختار منه آخر رسله إلى البشرية جمعاء؛ فأدرك قادته قدر رسالة بلادهم السامية العظيمة؛ فجعلوا من وطنهم يدًا طويلة ممدودة بالخير إلى الناس في كل مكان، دونما تفرقة بسبب عقيدة، جنس، مذهب أو لون، بعد أن تحول وطنهم إلى ورشة هائلة، تعج بالعمل والإنجاز، كما يؤكد حادي ركبنا اليوم سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه - قائد الحزم والعزم والحسم والثبات الذي لا يلين؛ إذ ليس في نهج قيادته الحكيمة الحازمة منطقة رمادية كما يفعل معظم زعماء العالم اليوم للأسف الشديد؛ فثنى دون بلاده بالسيف والقلم.. فاستأهلها، مثلما استأهلها من قبل المؤسس الملك الصالح عبد العزيز آل سعود، الذي مشى على الرمضاء حافي القدم، وسقى غرسها عرقًا، دمعًا ودمًا.
أجل، «فوق هام السحب»..
ثلاث كلمات تحكي عن طموح لا حدود له، وهمة لا تعرف المستحيل، وإرادة قوية، وثقة بالله ليس لها مثيل، ثم في شعب المملكة الأبي الأصيل النبيل لولي عهدنا الأمين، أخي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، فلا غرو إذًا إن اختارها توقيعًا مهر به القطعة الأخيرة التي يتم تركيبها على القمر السعودي للاتصالات الأول قبل إطلاقه في الفضاء ليطوف فوق هام السحب، بتاريخ 5-4-2018م، خلال زيارته مقر شركة لوكهيد مارتن في وادي السليكون بمدينة سان فرانسيسكو، إثر زيارته الشهيرة إلى الولايات الأمريكية المتحدة التي أسس فيها لشراكات راسخة في كل المجالات للتحليق ببلاده فوق هام السحب؛ فكانت تلك الزيارة الميمونة أنجح زيارة لمسؤول أجنبي إلى أمريكا، كما وصفها كل المراقبين من موالين ومعارضين أو محايدين.
وقطعًا، كان في اختيار ولي عهدنا الأمين الذكي الحكيم لهذه الكلمات المعدودات (فوق هام السحب) تعبير صادق عما يراه لبلاده من أمجاد لقدام.. وأمجاد وراء، في ظل تلك الرؤية الطموحة الذكية (2030) التي هندسها الأمير محمد بن سلمان بوعي العلماء وحكمة الشيوخ وطموح الشباب وعزم قادة بلادنا الذين دعوا لله.. وبشرعه حكموا، منذ عهد التأسيس حتى عهدنا الزاهر هذا، فرفعوا رأس بلادهم على كل الأمم.. فاستأهلوها.. أقول: هندس ولي العهد الأمير محمد تلك الرؤية، مثلما هندس البدر، مهندس الكلمة، تلك القصيدة العصماء (فوق هام السحب).. فأصبحت أعذب الألحان على كل لسان.
وعليه، أود أن أشير هنا إلى ملاحظة مهمة ذكية لولي العهد قبل أن أغادر هذه الفقرة، وردت في كلمته المقتضبة تلك أثناء توقيعه الشهير (فوق هام السحب) الذي أشرت إليه آنفًا؛ إذ أكد سموه الكريم أن: (السعودية تعيش نقلة تاريخية، ولديها خطة لإحداث نقلة داخل مجتمعها)، مشددًا في الوقت نفسه على أنها تعيش الآن في عهد (الدولة السعودية الثالثة).. ومثل والده مليك الخير المفدى سلمان استوعب ولي العهد أخي الأمير محمد بن سلمان، تاريخ بلاده المجيد، فأدرك جيدًا الأساس التاريخي الذي تم بموجبه تقسيم الدولة السعودية إلى ثلاثة عهود: الدولة السعودية الأولى، فالدولة السعودية الثانية، ثم الدولة السعودية الثالثة. وكأني بسموه الكريم أراد أن ينبه بهذا بعض الإخوة من الكتّاب والإعلاميين والصحفيين وغيرهم الذين يستخدمون أحيانًا بحسن نية تعبير (الدولة السعودية الرابعة) في إشارة لما نعيشه اليوم من خطوات إصلاحية، وإعادة هيكلة شاملة للدولة والمجتمع، ومن ثم تطور وتنمية متوازنة بخطوات وثابة في ظل قيادة سيدي الوالد المليك المفدى سلمان وولي عهده الأمين الذكي الطموح، أخي الأمير محمد بن سلمان. وبالطبع، إضافة إلى ما في هذا من تشديد على الالتزام بميثاق الدولة ودستورها ورسالتها القاصدة التي حددها المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، وسار عليها كل من تولى قيادة الدفة بعده من أبنائه البررة الكرام، من الملك سعود حتى عهدنا الزاهر هذا بقيادة سيدي الوالد سلمان الخير.
وعليه، أنتهز هذه السانحة اليوم لكي أؤكد ما ذهب إليه أخي سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، فأنبه الجميع لعدم استخدام تعبير (الدولة السعودية الرابعة)؛ لأن من شأن هذا إحداث تشويش في تاريخنا المجيد، ولاسيما في مفهوم غير السعوديين من المثقفين الذين ليس لهم اطلاع واسع على تاريخنا.
والحقيقة، ليس هذا بمستغرب على رجل أخجل التواضع؛ إذ يقول بكل فخر واعتزاز إنه واحد من العشرين مليون سعودي..
وإنه من دونهم لا شيء..
فنقول له بلسان أخي الشاعر المبدع صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، الذي وهب شعره لدار ودين.. وليسمع الحاسد:
«أنت الركن والساعد..
ومجد المملكة الصاعد..
ولعيون السعوديين..
يابو سلمان، أنت الضي.
أجل، حنا هلك يا دارنا.. برد وهجير».
وإذ نعيش فرحة ذكرى يومنا الوطني الخالد هذه الأيام، الذي تساوى فيه طول الليل مع طول النهار في كل أنحاء العالم تقريبًا، كما أكد الفلكيون السعوديون، ويحل فيه الربيع على نصف الكرة الجنوبي، بينما يودع فصل الشتاء، في حين يحل فصل الخريف على نصف الكرة الشمالي مودعًا فصل الصيف.. كأني أرى في هذا التزامن العجيب مصادفة خير من وعد كما يقولون: دلالة على تأكيد عدالة دولتنا التي أصبحت بصمة سعودية خالصة، كما أرى في تزامن انصراف الصيف هنا ودخول الربيع هناك دلالة على يد الخير الطويلة الممدودة التي تمثلها بلادنا اليوم، كما يؤكد دومًا قائدنا سلمان الخير والعزم والثبات الأكيد.. وعلى كل حال، ليعذرني من يرى في هذا التزامن مبالغة أو شططًا؛ فحب الأوطان من الإيمان، وأنا رجل مؤمن طالما أحب وطنه وحمله في وجدانه وحدقات عيونه ليل نهار، وتشرف بالذود عن حماه الطاهر في ساحات الفدى.. وليس لي اليوم هم غير خدمته بكل ما وهبني الله من قدرة وسعة حيلة.
فالحمد لله الذي جعل نعمه تترى علينا، وأعظمها وأجزلها، وإن كانت كثيرة لا تحصى، هذا الإنسان السعودي كما أكد سيدي الوالد الملك سلمان؛ إذ يقول: «إننا على ثقة بقدرات المواطن السعودي، ونعقد عليه بعد الله آمالاً كبيرة في بناء وطنه، والشعور بالمسؤولية تجاهه». ويثني هذا المفهوم أخي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ إذ يؤكد دومًا بكل ثقة وثبات: «ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعب طموح، معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا، وضمان مستقبلها بعون الله تعالى».
فشكرا لأخي الأمير الشاعر البدر بن عبد المحسن، وشكرا لأخي الأمير الشاعر عبد الرحمن بن مساعد، وشكرا لأخي الأمير الشاعر خالد الفيصل، بل الشكر موصول لكل من تغنى للوطن من شعراء بلادي وغيرهم من المحبين لوطن الرسالة. وحقًّا لا أجد أفضل ختام من ختام البدر لـ(فوق هام السحب):
«نستاهلك يا دارنا.. حنا هلك، أنت سواد عيوننا.. شعب وملك».