د. حسن بن فهد الهويمل
قَطَعْتُ من قبل بفشل الهيئات العالمية كـ[هيئة الأمم المتحدة]، و[مجلس الأمن]، ومنظمات [حقوق الإنسان] التي أُنشئت لتكون عدوَّاً، وحزناً للمستضعفين في الدول الثالثية؛ تمارس مهماتها بقليل من الحرية:- [والعاجز من لا يستبد]، حتى إذا كان لِلدُّول الأخطبوطية مصالح تحولت تلك المنظمات والهيئات والمجالس إلى آليات لتحقيق الغايات، والأهداف، دونما عدل، ولا إنسانيةٍ.
بل الأسوأ من ذلك ممارساتها للفعل المشين الذي تحاربه في المحافل، ومساعدتها للمتمردين على فك الاختناقات، وتمديد زمن الحرب.
إذ كلما شارفت دول [التحالف العربي] على حسم الموقف لصالح الشرعية امتدت أيدٍ خفية ملوثة، فأنقذت الموقف، وشدت من أزر المتمردين تحت مظلة الهيئات.
فحرب الاستنزاف هدف [صناع السلاح]، وحَفَظَةِ التوازن بين الأطراف المتنازعة؛ لأنه يخدم مصالح الدول الكبرى المهيمنة على مصائر العالم.\ لقد جرَّب [الغرب الصليبي] المواجهات العسكرية، حتى تكسرت النصال على النصال، وبقيت العروبة والإسلام نِدَّاً قوياً؛ يتخذ قراراته المصيرية بحرية، واستبداد. ولما لم تُجْدِ المواجهات العسكرية تحرف الأعداءُ الماكرون لوسائل أخرى، وسائل المكر، والتفريق، وتضخيم مسائل الاختلاف، وفتح الملفات الوهمية، وتخويف الطوائف، والمذاهب، والأعراق بعضها من بعض. مع أنها قبل وجوده متصالحة، متعايشة، إضافة إلى نصرة الأقليات، وتمكِينها من رقاب الأكثرية، شأن [السبئية] اليهودية.
فالأقلية حين تحكم الأكثرية تظل بحاجة إلى جبْل من الناس، وجُدر تحتمي وراءها، وقرى محصنة تقاتل من داخلها.
لقد فرَّق الاستعمار بين الأخ وأخيه، وسلَّح كل الأطراف، ودعم كل الفرقاء، وجعل بأسهم بينهم شديدًا.
وكل دولة ثالثية تباشر الإصلاح، وترتد إلى الداخل للإعمار، وبناء الإنسان، وتمارس الاحتواء، وتقارب الندية، تُدَبَّر لها مكيدة، تعيدها إلى مربعاتها الأولى.
عيبُ أمتنا العربية القابليةُ لهذه المؤامرات، وغفلةُ الكتّاب والمفكرين عن مصادر الفساد، والإفساد. بل تجاوز البعض منهم حَدَّ الغفلة إلى تمجيد [الغرب]، والقطع بأنه السبَّاق إلى تصفية الخلافات، وجمع الكلمة، والنهوض بالشعوب المتخلفة، مستدلين على دعواهم الكاذبة بظاهر القول.
أنا لا أطالب بالمواجهة، ولا أحبذ المقاطعة، وإنما أريد فهم الواقع، وقراءته بعيون فاحصة، وقلوب واعية؛
فالغرب يبدو متعاطفاً مع قضايا المستضعفين، ساعياً لإصلاح ذات البين من خلال المؤسسات التي ينشئها كـ[أطباء بلا حدود]، و[حقوق الإنسان]، والمزايدات الكاذبة. وما يدري الغافلون المغفلون أن هذا من باب ذر الرماد في العيون. كلام ظاهره الرحمة، وباطنه من قِبَله العذاب.
الغرب لا يَفْتأ يفتح الملف تلو الملف، ويُقَوِّي جانباً على جانب، حتى إذا شارف أحد الجانبين على الانتصار، انقلب على عقبيه، وساند المهزوم لإنهاك المنتصر. ذلك دأبه، وهذا سبيله؛ إذ كلما شارفت فتنة على الانتهاء، وبدا عَوارها، ونُزِعت الأيدي منها، أيقظ فتنة أخرى.
و[العالم العربي، والإسلامي] هو المجال المناسب لممارسة الفعل المتوحش، منذ [الحروب الصليبية] حتى إسقاط الخلافة المهترئة، والقابلة للسقوط، والمستحقة للإسقاط. ومن بعد تمزيق الأرض، وتصنيم الحدود، وتضخيم القُطرية، من جهة، والدفع بـ[بالأمَمِيين]، والحالمين بـ[الخلافة]، و[الحاكمية] بمفهومها الحَدِّي والحدِّية. وتشتيت الأفكار من خلال تضخيم النظريات، وتصنيم العلماء، وتأليه المفكرين. ولما تزل المؤامرات يمسك بعضها رقاب بعض.
الشعوب العربية تعيش على ضوء نسق ثقافي صنعه العملاء، وكرسه الجهلة، وأشاعه المغفلون من أبناء العروبة، والإسلام.
قلت، ولما أزل أكرر القول: الأمة العربية والإسلامية شريكة في المؤامرة، وقابلة للغزو، والتآمر. والنيل من الغرب ليس إبراء للأمة العربية، ولا تنصلاً من المسؤولية.
عقدة الغزو والتآمر يتوسل بها البعض لتبرئة النفس من مسؤولية التخلف، وهذا خطأ لا نقره، ولا نُعَوِّلُ عليه.
الأمة العربية عليها كفل من الخطايا، ونخبها مطالَبون بالتحرف للخروج من مستنقع اللعب الكبرى، التي أردت الأمة، وأذهبت ريحها.
لقد ألهتنا الخطابات العنترية عن كل مكرمة. وهي خطابات يتوكأ عليها الانقلابيون العسكريون. فكم كان أثر [القومية]، و[الاشتراكية]، و[البعثية]، و[الوحدة]؟.. لقد تحققت من خلالها انقلابات عسكرية دامية، أتت على الرطب، واليابس، وشُوِّه بسبب هذه الخطابات المتلاحقة تاريخنا الحديث.
فكل سابق خائن، عميل، وكل لاحق قوي أمين.. وكل يوم تطلع فيه الشمس يقوم انقلاب دموي، يدمر كل شيء أتى عليه. حتى إذا أكلت الانقلابات أبناءها أُتِي بالعملاء، والمرتزقة ليقولوا ما قالت [حذام].
سقوط [الشاه] لعبة لم يعها المراقبون والمتصدرون لتشكيل وعي الأمة، ونسقها الثقافي. ومجيء [الخميني] محفوفاً بعناية الغرب، ومباركته، وتأبيده.. لعبة لم ندرك أبعادها. الحروب الخليجية كلها لعب مصمية، وضعت أمتنا أمام خيار واحد صعب، لا مناص منه. انقلاب الابن على أبيه في [قطر] لعبة لها ما بعدها، جعلت الخليج أمام خيار أصعب.
[قاعدة العديد] أُنشئت لحفظ الكيان الجديد الذي جيء به ليمارس أخطر اللعب مع الصهيونية، والإخوان، و[إيران].
تحويل [الجارودية] إلى [حوثية] رافضية مجوسية، وتمكينها من التنازع على الحكم لعبة لها ما بعدها.
[الربيع العربي] بوصفه الضربة القاضية على حلبة الملاكمة لعبة اللعب.
الغريب في الأمر أن كل هذه اللعب تصب في صالح أعداء [المملكة العربية السعودية]، وتقع على أطراف حدودها.
والمملكة تدفع بالتي هي أحسن، وتتخذ من القرارات ما يكفي لاتقاء الشر، والانحناء أمام العاصفة.
والعملاء، والمغفلون، والحالمون من الداخل، والخارج يتحرفون للفت في عضد الوطن، وقادته، وإنسانه، وينحازون إلى أعدائه، جاحدين لفضله عليهم.
ولما يزل دخن النتن قائماً، ولما تزل الخلايا النائمة ترقب الأوضاع؛ لتخرج أعناقها في الوقت المناسب. إنه زمن مخيف، وتَحَدٍّ أصعب. وكل الأحوال استثنائية، تحتاج إلى مزيد من التقدير، والتدبير، وحسن إدارة الأزمات.
فلنكن في مستوى الحدث. جَبَلاً أشم، تغسل أمواج الفتن سفحه.
إن حال العصاميين من أمتنا كحال العروبي الثائر على أوضاع أمته:-
هَبَطَ السَّفْحَ طَاوِيَاً مِنْ جَنَاحَيْه
عَلَى كُـلِّ مَـطْمَـحٍ مَقْبُورِ
فَتَبَارَتْ عَصَائِبُ الطَّيْرِِ مَا بَيْنَ
شرودٍ مِـْن الأَذَى ونَفُـورِ
لا تَطِيرِي جَوَّابَـةَ السَّـفْحِِ
فَالنِّسرُ إذَا مَا خَبَرْتِه لَمْ تَطِيري
نَسَلَ الوَهْـنُ مِخْلَـبَيْهِ، وَأَدْمَتْ
مَنْكِبَـيْهِ عَوَاصِفُ المَقْدُوْرِ