د. محمد عبدالله العوين
التقيت به - رحمه الله - حين طلب مني أن أضع شهادة المرحلتين الابتدائية والثانوية ضمن ملف التقديم على الجامعة، فراجعت مدرسة الحوطة الأولى التي تخرّجت فيها، فإذا بي ألاقي شاباً ممشوق القوام أنيقاً ظريفاً بشوشاً، لم تغيّر عصا الخيزران الصغيرة التي في يده من لطافته، علمت أنه مدير المدرسة وهو الآن عائد إلى مكتبه في الدور الأول من ذلك المبنى الجميل.
عادت بي الذاكرة إلى أيام الطفولة الأولى، كنت وجيلي أول من قصَّ شريط الدخول إلى هذا المبنى الفخم في أواخر عهد الملك سعود - رحمه الله - فقد فوجئنا صباح يوم نشط بهي مفعم بالحيوية ونحن نفترش الأرض على بسط تنزلق يميناً وشمالاً من عبث الأطفال وكثرة حركتهم في ذلك البيت الطيني أمام المحكمة القديمة بحي قديم من أحياء مدينة حوطة بني تميم بمدير المدرسة الأستاذ عبد العزيز بن أحمد بن صقر يأمرنا بالانتقال إلى مبنى المدرسة الجديد المبني من الإسمنت والحديد على أحدث طراز في ذلك الزمن، فتسابقنا وبيد كل منا كراريسه وأقلامه وغترنا الصغيرة البيضاء تتطاير أمامنا ونحن نقطع كثبان الرمل والمساحات الخالية من المنازل بسرعة تفوق قدرات سيقاننا النحيلة.
وبعد أن نقل ابن صقر إلى إدارة مدرسة الجزائر في الرياض تولى إدارة المدرسة المربي الجليل الأستاذ عبد الرحمن بن عتيق - متعه الله بالصحة والعافية - ثم تعاقب على إدارتها عدد من المديرين إلى أن تولاها الأستاذ القنيعي.
قلت له بعد التحية والسلام: هل هذه الخيزران جاهزة للاستعمال يا سعادة المدير؟! رفعها في وجهي باسماً وقال: لهذه الخيزران شأن كبير في تربيتنا، لم يضربنا بها أحد قط؛ لكنها كانت ملازمة لهم في أيديهم؛ لإثارة المهابة أمام الطلاب.
أخذت ورقة الشهادة مختومة وودعته بعد أن حدثته عن ذكرياتي في هذه المدرسة الأصيلة التي تعد أول مدرسة في الحوطة.
كانت لقاءاتي بأبي سعد مفاجآت؛ فقد كانت المرة الأولى عن غير سابق علم ولا معرفة به، وهو ما تكرر في المرة الثانية.
فبعد أن انتقلت للدراسة في الجامعة بالرياض لم تنقطع صلتي بأستاذي في مادة النحو بالمعهد العلمي الفاضل الكريم الأستاذ محمد سلومة عبد الرحيم - جعله الله في خير حياً وميتاً - أذهب إليه أعرض عليه شعراً كنت أتعبث به فيصلح لي ما يمكنه إصلاحه ويقوم ما كنت أكتبه من مقالات، وكان منزله في أسفل الباطن على حافة الطريق المؤدي إلى الحريق بين النخيل والمزارع الغناء؛ فبينما نحن في هذا الشأن بين قراءة ومحاورة فإذا بطارق يطرق الباب فإذا هو عبد العزيز ذلك الذي بهرني بلطفه وبشاشته وأناقة كلماته، وشاركنا الجلسة بحسه الأدبي واللغوي العالي، وعلمت أنه الجار الملاصق لأستاذي.
أما المفاجأة الثالثة؛ فقد كانت لصاحب الصوت الأنيق الجميل في إذاعة الرياض، وما أجملها من مفاجأة. يتبع