زكية إبراهيم الحجي
رغم أهمية وخطورة مرحلة المراهقة.. إلا أن الحديث عنها وعن مشكلاتها ما زال أمراً نسبياً يخضع لقيم وعادات وتقاليد كل مجتمع ويرجع ذلك إلى الاختلافات ما بين فرد وفرد ومن عائلة إلى أخرى ومن بلد إلى بلد.. لذلك لابد أن نأخذ المراهق من حيث هو كذلك ولنتذكر أنه نتاج بيئته الماضية والحاضرة وبنيته النفسية الحاضرة والماضية كذلك أنماط الثقافة السائدة في مجتمعه.. وحقيقة لا يوجد نمط أو شكل واحد من المراهقين فالمراهقة لها صور متعددة وأساليب متنوعة.. لذلك لا ينبغي أن نطلق عنان التعميم على كل من يمر بمرحلة المراهقة.
مرحلة المراهقة من أصعب المراحل العمرية بالنسبة لليافعين وليس ذلك فقط بل تمتد صعوبتها إلى الأهل الذين عليهم إدارة الصراع المستمر بينهم وبين ابنهم أو ابنتهم المراهقة.. صراع يتمثل بالتمرد ومحاولات متكررة للانسلاخ عن ثوابت ورغبات الوالدين.. صراع دائم بين الاستقلال عن الأهل وبين الاعتماد عليهم.. بين تراكمات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة.. تذبذب المشاعر ما بين الخجل والانطواء وحدة الطباع وبين الرغبة في إثبات الذات وتحقيق الأحلام.. باختصار صراع يمثل الأزمة الذاتية للمراهق الذي يعيش بين الدافع إلى تحقيق صورة الذات التي تحمل آماله وأهدافه وتصوراته ومابين الرغبة الشديدة لتجنب القيود المفروضة عليه نتيجة قسوة وسلطة أبوية تجعل من العلاقة بين الأب وابنه علاقة خصومة مستمرة.. أو تدليل مفرط يدفعه للاعتماد على الآخر لأنه غير كفؤ لتحمل المسئولية.. وربما يدفعه التدليل المفرط إلى العناد والتمرد.. وحدة الطباع في تعامله مع والديه إذا لم تُحقق مقاصده.. وقد يلجأ إلى القوة والعنف لتحقيق رغباته.. مما سبق نجد أن علاقة نفسية.. اجتماعية ووجدانية بين المراهق وأهله هي المحور الذي تدور حوله معظم الأزمات والصدامات بين الطرفين.
مرحلة المراهقة مرحلة فاصلة بين ميلاد المراهق ونضجه.. مرحلة يدرك من خلالها أن ذاتاً بدأت تتحدد لمواجهة ذوات بشرية أخرى وأن وجوداً يتلمس ماهية مسيرته الأولى من خلال رحلة تمتد امتداد حياته.. رحلة بدايتها بحث عن الهوية الشخصية وذلك أمر ليس بالهين واليسير.. فالمراهق يدخل عتبة الشباب باحثاً عن صورة لم يتأكد منها في عالم اكتشفه لتوه.. لذلك فهو بحاجة دائماً إلى من يقف إلى جانبه ويساعده في تحقيق الاتزان بين القوة الجارفة لانفعالاته وبين النقص في قدراته الضابطة التي يمكن أن تتحكم في دوافعه فنحن غالباً ما ننسى هذه الحقيقة ونتوقع من المراهق سلوكاً لا يتفق مع مرحلة نموه العام وبالتالي نزيد الأمور تعقيداً.. ونحمل المراهق ما لا طاقة له به. ثمة نقطة لابد الإشارة إليها وهي أن الفراغ الذي يملأ نفسية المراهق إن لم يجد عيناً حريصة ساهرة تعمل على إعماره بما يفيده فإنه سيقع فريسة سائغة لكل ريح ملوثة قد تهوي بمستقبله في متاهات لا تحمد عقباها.