د. عيد بن مسعود الجهني
مع تطور المجتمعات البشرية وتقدمها وإتساع نطاق التجارة الدولية في ظل منظمة التجارة الدولية في القرن المنصرم وفي الألفية الثالثة أصبح التحكيم علامة بارزة في المجتمع الدولي والمحلي وأصبحت الغالبية العظمى من العقود الدولية لا تخلو من شرط التحكيم.
والتحكيم لا يعتبر عملا تبرعيا يقوم به المحكم وإنما هو عمل يؤديه مقابل أجر عن هذا العمل، وهذا الأجر يتم الاتفاق عليه بين الخصوم والمحكم أو المحكمين، والطريقة التي يتم بها الوفاء بهذه الأتعاب، على أنه إذا تبقى جزء مؤجل من هذه الأتعاب يتم إيداعه لدى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع خلال خمسة أيام من تاريخ صدور الأمر بتنفيذ الحكم، وهذا ما نص عليه نظام التحكيم السعودي القديم.
وقد جاء نظام التحكيم التجاري السعودي الجديد أكثر دقة فيما يتعلق بأتعاب المحكم أو المحكمين حيث نص على:
(يجب عند اختيار المحكم إبرام عقد مستقل معه توضح فيه أتعابه، وتودع نسخة من العقد لدى الجهة التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا النظام، إذا لم يتم الاتفاق بين طرفي التحكيم والمحكمين على تحديد أتعاب المحكمين، فتحددها المحكمة المختصة التي يجب عليها أن تفصل فيه بقرار غير قابل للطعن بأي طريقة من طرق الطعن، وإذا كان تعيين المحكمين من قبل المحكمة المختصة وجب معه تحديد أتعاب المحكمين).
ولأن النظام أشار إلى اللائحة التنفيذية الشارحة للنظام فقد جاء النص أكثر وضوحا في مواد اللائحة بشأن أتعاب المحكمين فنصت على ما يلي:
- إذا أخفق كل من الخصمين في بعض الطلبات جاز الحكم بتقسيم الأتعاب بينهما على حسب ما تقدره الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع، كما يجوز الحكم بها جميعا على أحدهما.
- يجوز لكل من الخصوم أن يتظلم من أمر تقدير أتعاب المحكمين للجهة التي أصدرت الأمر وذلك خلال ثمانية أيام من تاريخ إعلانه بالأمر ويكون قرارها في التظلم نهائيا.
وينص نظام غرفة التجارية الدولية في ملحق جدول مصاريف المصالحة والتحكيم الصادر عام 1975 على أن تشمل مصاريف التحكيم أتعاب المحكم أو المحكمين والرسم الإداري، ويمكن أن تضاف إليها المصاريف الشخصية للمحكم أو المحكمين، وإذا اقتضى الأمر، تكاليف الخبرة وغيرها من المصاريف المماثلة.
وينص مشروع اتفاقية مركز التحكيم التجاري للغرف التجارية بدول مجلس التعاون الخليجي العربية على أن: يتقاضى المركز أتعابا تحددها لائحة الإجراءات للقيام بمهامه والمصروفات التي يتحملها في سبيل ذلك والتي تدخل ضمن نفقات التحكيم التي يقضي بها ويتم تحديد هذه الأتعاب والمصروفات بمراعاة مصاريف المركز الإدارية وحجم العمل به والنفقات الفعلية للمساعدات التي يقدمها، مع مراعاة طبيعة المركز التي لا تهدف إلى تحقيق الربح.
وقد اهتمت مراكز التحكيم ببيان قواعد آداب المحكمين وصلاحياتهم، ونصت على التزام المحكم بالإفصاح عن صلاته بالنزاع أو بالخصوم أو بالمحامين المدافعين عنهم - سواء كانت هذه العلاقة مباشرة أم غير مباشرة مهنية أو مالية أو اجتماعية، وإذا نشأت هذه العلاقة خلال نظر النزاع المتفق على التحكيم بشأنه فيجب على المحكم الإفصاح عنها كذلك، حتى يمكن للخصوم الموافقة على استمرار نظر دعوى التحكيم، أو يطلبون رد المحكم.
والمحكم بمجرد اختياره يقطع صلاته بالخصم الذي اختاره، ويصبح مستقلا عنه، ولا يصح له أن يدافع عن وجهة نظره أثناء نظر نزاع التحكيم، فهذه وظيفة محامي الخصم، ذلك أن هذا الموقف يفقد المحكم صلاحيته للقضاء.
ولا يجوز للمحكم أثناء المداولة أن ينقل للخصم الذي اختاره أسرار المداولة بينه وبين باقي أعضاء هيئة التحكيم، كما لا يجوز له بعد إصدار الحكم أن يفشي أسرار المداولة لهذا الخصم، حيث إن الحكم يصدر عن كيان قانوني هو هيئة التحكيم كما يصدر عن المحكمة متعددة القضاة.
وطالما قبل المحكم مهمة التحكيم وفقا لاتفاق التحكيم، فليس من حقه العدول عنه إلا بسبب جدي وإلا أصبح مسئولا مسئولية تعاقدية تجاه الخصوم، ويسأل عن تعويضهم عن كل الأضرار الناجمة عن الإخلال باعتبار اتفاق التحكيم عقدا ملزما لأطرافه.
ومن مهام المحكم قبل الحكم في النزاع أن يقوم قبل البدء في نظر القضية، بوضع محضر يحدد مهمته وذلك على أساس المستندات المقدمة أو في حضور الخصوم وطبقا لأقوالهم الأخيرة، ويجب الحكم في النزاع في الميعاد المحدد في وثيقة التحكيم مالم يتفق على تمديده، وإذا لم يحدد الخصوم في وثيقة التحكيم أجلا للحكم وجب على المحكمين أن يصدروا حكمهم خلال تسعين يوما من تاريخ صدور القرار باعتماد وثيقة التحكيم وإلا جاز لمن شاء من الخصوم رفع الأمر إلى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع لتقرر، أما النظر في الموضوع أو مد الميعاد لفترة أخرى طبقا لنظام التحكيم السعودي القديم.
أما نظام التحكيم الجديد فقد جاء أكثر تفصيلا من عمومية النظام القديم فيما يتعلق بصدور الحكم المنهي للخصومة فجاء النص كما يلي:
1- على هيئة التحكيم إصدار الحكم المُنهي للخصومة كلها خلال الميعاد الذي اتفق عليه طرفا التحكيم، فإن لم يكن هناك اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال اثني عشر شهرا من تاريخ بدء إجراءات التحكيم.
2- يجوز لهيئة التحكيم - في جميع الأحوال - أن تقرر زيادة مدة التحكيم على ألا تتجاوز هذه الزيادة مدة ستة أشهر مالم يتفق طرفا التحكيم على مدة تزيد على ذلك.
3-إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرة السابقة، جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من المحكمة المختصة أن تصدر أمرا بتحديد مدة إضافية، أو بإنهاء إجراءات التحكيم، ولأي من الطرفين عندئذ رفع دعواه إلى المحكمة المختصة.
4- إذا عين محكم بدلا من محكم وفقا لأحكام هذا النظام، امتد الميعاد المحدد للحكم ثلاثين يوما.
أما قانون المرافعات البحريني فقد نص على أنه: (إذا لم يشترط الخصوم في الاتفاق على التحكيم أجلا للحكم، كان على المحكمين أن يحكموا في ظرف ثلاثة شهور من تاريخ قبولهم التحكيم، وإلا جاز لمن شاء من الخصوم رفع دعواه إلى المحكمة المختصة، وذلك ما لم يتم اتفاقهم جميعا على امتداد الأجل).