د. خيرية السقاف
المعلم الذي كان يجلس إلى الصغار والعصا أداة ضبطه، ولفت انتباهه، والمؤشر لبدئه، وانتهائه، ولسانه المهذب، وعينه المعبرة، ووسيلة عقابه، ودليل إشارته لم يعد هو الذي متى شاء أن يكون معلمًا كان..
كذلك الفصل الدراسي ليس هو مجلس في زاوية من حجرات بيت، ولا ركنًا عند مدخل نُزُلٍ، ولا حلقة في مسجد، بل ليس بعد حجرة بباب، ومقعد وكتاب!!..
المعلم كي يكون معلمًا فهو ذو الصفات السلوكية، والسمات الذاتية، والخصائص المهنية، والخبرات المعرفية المختصة، إن لم تتوفر جميعها بشروطها، وأسسها، ومضامينها، جملة وتفصيلا فيه فلن يتمكن من أن يكون معلمًا من شاء، متى شاء، وأين ما شاء.
تقنَّنت الأسس، وتوحدت الشروط، وفيست الخصائص، وقُيِّدت المهنة..
والخلاصة إنه وريث القدوة تلك التي يتوفر لها العلم المختص، والخبرة المعينة، والقدرة الدافعة، والمعرفة المتجددة، والخلق المتمثل في الحلم، والصبر والنباهة، والتهذيب، والاحتمال، والتجاوز، مع لماحية، ورشد، وبصيرة، وذكاء، واحتواء، وصفاء ذهن، مختصًا في المجال العلمي، متسعًا في الخبرة المعرفية، تربويًّا في طراز المجال، مواكبًا لمستجداته، مطوِّرًا لإمكاناته، ومهاراته، لا عصا في يده تقود إشاراته، وتعبر عن مقاصده، وترشد طلابه، أو تلتفت انتباههم، ولا سلطة فردية له فيما يقدم من معرفة لطلابه..
المعلم الآن محوره اتسع، وساحة عطائه تعمقت، ومسؤوليته تشعبت، ودوره ريادي حين ينظر إلى ما بعد مما أودع فيهم، وأخرج منهم ما يجعلهم مواكبين لزمنهم، معاصرين علومه، ومعارفه، متسلحين بقيمهم، فاعلين بطموحهم، متمكنين من خبراتهم، قادرين على الغوص في تيارات الحياة بكل معطياته، واثقين من أنفسهم، ومخزونهم، مدركين أن العصا التي كانت بين من سبق ومعلميهم غدت لهم نظارة بأبعادها لا تخفى عنهم خافية، وأن الورق بين أيديهم أصبح مدى شاسعًا من أحبار لا ملمسًا مائيًّا لها يتطوفون كل ما يجعل من حياتهم ميدانًا للتنافس الخلاق..
وهم يحلقون، يغوصون، العالم بكل خبراته في داخلهم يتحرك، وبأيديهم يُعجن..
هو ذا المعلم الذي ننشد، في ذكرى المعلم التي لا يوم لها، بل له كل الأيام..