د. حمزة السالم
يمتد الغرب الأمريكي من الضفة الغربية لنهر المسيسبي حتى المحيط الهادي، الساحل الغربي لأمريكا. والمسيسبي أطول رابع نهر بعد النيل، ويخترق أمريكا من شمالها حتى يصب في الخليج المكسيكي في أقصى الجنوب في منطقة نيو اورلنز. ويقسم المسيسبي الثلث الشرقي لأمريكا عن ثلثيها الغربيين. فأمريكا حتى الحرب الأهلية، كانت شرق النهر، أي كانت محصورة في الثلث الشرقي لأمريكا اليوم، على امتداد الأطلسي، حدودها غرباً، الضفة الشرقية للمسيسبي. وكل ما غرب المسيسبي، إلى كاليفورنيا، كان يُعد الغرب المتوحش الأمريكي.
الغرب، خمسة ملايين كيلومتر مربع، تحتوي على أعظم المشاهد استثنائية في الأرض، يجب رؤيتها لكي يمكن تصديق أوصافها. فلطالما كان الغرب مصدراً للإلهام كما كان مصدراً للأساطير.
الغرب رحم خصبة لكل شيء، للحروب وللكوارث الطبيعية، وللأساطير والخرافات، وللمحاصيل الزراعية والمواشي، وللصناعات وللذهب، وللبطولات والمخازي، وللأبطال وللمجرمين، وللكفاح وللضيق وللسعة، وللمآسي والمسرات.
كان الغرب المتوحش، أرضاً لا متناهية من العشب الأخضر، كان يقطنه ويمر به ستون مليون جاموس، وعشرون مليون حصان بري، تولدوا من الأحصنة التي هجرها الأسبان بعد رحيلهم عن جنوب أمريكا في القرن الخامس عشر، (فلم يكن في الأمريكيتين حصان قبل ذلك).
هو أرض الجبال المستحيلة الاختراق، كالروكي، أي الصخري. وسييرا نيفادا أي سلسلة الجبال الخشنة الطويلة.
وفي الغرب، جبال قدسها الهنود الحمر كالقرن الكبير والجبال المجنونة والجبال الضائعة، وكالهضاب السوداء التي كانت هي سبب إبادة الهنود، بعد اكتشاف الأمريكان، للذهب فيها.
والغرب هو أرض الأنهار العظيمة كالمسيسبي وميسوري والنهر الأحمر. وهو أرض الأنهار المقدسة عند الهنود الحمر. كنهر الماء المسطحة، والنهر المتفوق، ونهر اللا عودة، والنهر العذب ماؤه. وفيه النهر الموبخ للآخرين، الذي بدلالة من الهنود الحمر، ركبه أول أمريكيين، مرسلين من جفرسون لاكتشاف أسطورة الطريق الموصل للمحيط الهادي. ليزحف بعدهما الأمريكان، لاحتلال الغرب على مدى قرن من الزمان. فقتلوا أحفاد الهنود الذين أنقذوا أجدادهم، ودلوهم الطريق، من قبل.
وفي الغرب، تجري الأنهار التي شهدت مذابح الصراع بين الأعراق. كنهر الجدول الترابي الذي شهد أكبر مذبحة للهنود الحمر، والتي لم يُفرق فيها بين امرأة وطفل وشيخ.
وكنهر العشب الدهني الذي شهد أعظم مذبحة للجيش الأمريكي على أيدي الهنود الحمر، حين جندلوهم جميعا على تلة «القرن الكبير الصغير» فلم تنجُ في ذلك اليوم فروة رأس أمريكية.
الغرب كان الفتيل الذي أشعل الحرب الأهلية، التي ما أن انتهت من تحرير العبيد حتى عاد أبطالها، فأفنوا الهنود، ففريقا قتلوا وفريقاً احتجزوا وفريقاً شردوا حتى هلكوا في مجاهل الغرب، ثم استعبدوا من بقي منهم أحياء فسخروهم بين خدمة ودعارة.
والغرب المتوحش وإن بدا خالياً من الحياة الإنسانية آنذاك، إلا أنه ما قد خلا الغرب قط من الوجود الإنساني.
فالهنود الحمر كانوا نحو ثلاثة ملايين، عاشوا فيه لدهور طويلة فيها، حتى إن أساطير الخلق لديهم ربطتهم بالأرض نفسها، وجعلت من الغرب مركز العالم. فالكومانشيز مثلاً، قالوا: إن أصلهم خُلق من دوامات الغبار. والهيداستا نبعوا من قاع البحيرة الكبيرة، والزوني أتوا من الحجر الذي ينبض منه قلب العالم، والمختبئ في الحزم الجبلية المقدسة.
كان الغرب المتوحش هو الشمال بالنسبة للأسبان القادمين من المكسيك، وهو الجنوب للبريطانيين. وأما الصينيون والروس فسمّوه الشرق. أما للهنود الحمر، فلم يكن شرقاً ولا غرباً، فقد كان هو الوطن.
ادعى ملكية الغرب المتوحش أقوام كثر، كلهم لعبوا دوراً مهماً في الاستقرار به. ولكن بالنهاية، أمة واحدة ادعته كله وأخذته غصباً وطوعاً.
وفي الغرب اضطهدت الأمة الأمريكية الأسبان والصينيين. فطردت الأمريكان المكسيكان الذين عاشوا في الغرب قروناً، ثم استولت على مزارعهم وبيوتهم ومواشيهم. ووضعوا الصينيين في مرتبة أقل من الحيوانات، وعاملوهم بهذا التصنيف، حتى في الدساتير والقوانين.
فالغرب كشف للأمة الأمريكية عن نفسها، فأدركت قوتها، وصبرها، كما أدركت وحشيتها وأنانيتها. وهذا حديث لا ينتهي، في تطور الأمم وتحولاتها وتعلمها من أخطائها.