لن أخوض في مقالي هذا في معاني الإرهاب ودوافعه؛ لأنها أصبحت معروفة لدى غالبية المتخصصين، والسواد الأعظم من الناس. الإرهاب في عمومه متنوع، وأساليبه مختلفة؛ فقد يكون إرهابًا مباشرًا على أرض الواقع، إما جسديًّا بالقتل والتفجير، أو لفظيًّا ومعنويًّا بالتهديد والترويع والتعنيف.
لكننا كذلك في أيامنا هذه ابتُلينا بنوع آخر من أنواع الإرهاب، أشبه بسرطان يسري ويتمدد عبر الشبكة العنكبوتية التي يصعب السيطرة عليها، وخصوصًا أنه قد يكون هو الوكر الأول للإرهاب، والجريمة التي قد تكون مخرجاتها على أرض الواقع وتأثيرها واقعًا علينا بشكل مباشر أمامنا وبين ظهرانينا إذا لم نتصدَّ له بكل قوة، ونتخذ التدابير اللازمة وسبل الوقاية لكبح جماحه الذي في الغالب الأعم يكون خلفه أجندات منظمات ودول وأجهزة استخباراتية، تعمل على خلق الفوضى ونشر الإرهاب لأغراض ومصالح سياسية وعنصرية واقتصادية وطائفية.. إلخ.
ومن باب (فقه المرحلة) ينبغي أن نتفقه إلكترونيًّا إن جاز اصطلاحًا إطلاق هذا التعبير. المملكة كانت - وما زالت - سبَّاقة في محاربة الإرهاب وصد شروره مهما اختلفت دوافعه وتغيرت أنماطه؛ ولا أدل على ذلك من دعمها الدائم لوجستيًّا وماديًّا ومعنويًّا لأي مواجهة تقوم بها الدول والهيئات الدولية، مثل هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم؛ لتطويق الإرهاب، وتجفيف منابعه، وملاحقة منظماته وكوادره على الأصعدة كافة مع بذل جهد خاص على الصعيد الإلكتروني.
لقد قامت المملكة - كما يعلم الجميع - بإنشاء الاتحاد السعودي للأمن السيبراني متمثلاً في منظومة متكاملة، يرأسها معالي المستشار سعود القحطاني رجل الدولة ورجل المهمات الصعبة، الذي لا تخفى جهوده في هذا الصعيد وغيره. وبالطبع ما كان ليكون مثل هذا الإنجاز الوطني الرائد لولا توجه القيادة - أعزها الله - إلى الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الإضرار بأمن هذا الوطن، ومحاولة زعزعة وحدته واستقراره، والنيل من إنجازاته ومكانته. إن الأمير الشاب سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليس ببعيد عن إدراك أهمية هذا الأمر، وهو من جيل يدرك بعمق وشمولية خطر الحروب الإلكترونية، وتهديدها الأمن الوطني والإقليمي، بل العالمي؛ لذلك لا يدخر سموه الكريم جهدًا في دعم كل ما من شأنه الحفاظ على الأمن عامة، وعلى الأمن الإلكتروني خاصة لأجل بناء أمن الدولة على أسس متينة، وفي تكامل وفاعلية.
لقد تم إنشاء (مركز اعتدال) لمكافحة التطرف الفكري الذي كان له السبق واليد الطولى في رصد وتقويض الأنشطة الرقمية للجماعات المتطرفة، ودعم ونشر ثقافة الاعتدال، وتشجيع المؤسسات الفكرية والدينية والدعوية الفاعلة في نشر الفكر المعتدل، ومكافحة فكر ومعتقدات التشدد والتطرف عامة ومستخدمي الشبكات العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي خاصة.
كذلك ينبري مركز اعتدال لاتخاذ إجراءات استباقية وتفاعلية، تستهدف الرد على الشبهات، وحجب ومنع وإغلاق منافذ الفكر المتشدد والمتطرف بمختلف أشكالها، مع تعطيل مصادر تغذيتها الرقمية.
وأخيرًا وليس آخرًا، فإنه ينبغي لنا نحن المتخصصين وكتّاب وصنّاع الرأي العام جميعًا أن نقف صفًّا واحدًا ضد جميع من يحاول تسميم أفكار أبنائنا وبناتنا بأي شكل كان، وخصوصًا عبر بوابة الإرهاب الإلكتروني؛ إذ إن هذه البوابة أصبحت في متناول أيدي الجميع صغارًا ومراهقين وكبارًا؛ لذلك يجب أن نقوم بما من شأنه وقاية المجتمع من هذا الخطر، ثم بعد ذلك علاج ما لحق ببعض أطراف جسدنا من مرض من جراء هذه الهجمات المحمومة التي سنكون - بإذن الله - نحن سيدات ورجال وبنات وأبناء هذا الوطن من أي موقع كنا، وفي أي منطقة ومدينة ومحافظة، الحصن الحصين والدرع المتينة لمؤازرة هذا الصرح الإلكتروني الذي أصبح قلعة من قلاع أمننا الوطني.
** **
د. فوزية بنت حسين آل غاصب القحطاني - باحثة في الإعلام والأمن الفكري