د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عندما سافر ماركوبولو المكتشف المشهور إلى الصين عام 1271م، وبقي هناك عشرين عاماً للاكتشاف ونشر المسيحية، ترك لنا إرثاً مكتوباً عن تلك البلاد بكثير من المبالغة، ولم تتح له الفرصة للذهاب إلى اليابان، لكنه وصف شيئاً منها طبقاً لما سمعه وقرأه عنها أثناء وجوده في الصين، وهناك من شكك في وصوله إلى الصين أصلاً ومن ضمنهم فرانسيس ود في كتابه (هل ذهب ماركوبولو إلى الصين) لكن لو فرضنا أنه وصل إلى هناك وهو الافتراض الأقرب للواقع فإنه قد ترك لنا إرثاً جيداً.
استطاع بذكائه الاجتماعي الوصول إلى قصر حاكم الصين آنذاك قوبلاي خان، أو إن شئت فقل قبلاي هان، فحرف الهاء والخاء لا فرق بينهما عند الصينيين، وقبلاي خان، هو أحد أحفاد جنكيز خان المغولي المشهور الذي فعل الأفاعيل في بلاد العرب والعالم لولا أن الظاهر بيبرس والعرب كانوا حصناً منيعاً، أوقفوه عن الزحف إلى أوروبا، وفي عصره كان هناك ثلاث طبقات الأولى المغول، ويليهم المسلمون، ثم باقي فئات المجتمع الصيني، وقد ساهم المسلمون مساهمة كبيرة في النشاطات البحرية والبرية، وكانوا مبدعين في التجارة، ورسم الخرائط البحرية، ومعرفة الممرات المائية، وغيرها من أوجه المعرفة.
نعود إلى ما ذكره ماركوبولو، فقد ذكر أن الخان العظيم كان يرسل مندوبيه إلى مناطق التتر كل سنتين، ليختاروا له عدداً من الفتيات يتراوح بين أربعمائة وخمسمائة فتاة فائقات الجمال، ليضمهن إلى من حوله من المخطبات اللاتي يبلغ عددهن نحو عشرة آلاف أو أكثر، ومن ثم يقوم بانتخاب ثلاثين فتاة ليقمن بخدمته، وتهيئة فراشه، على شكل مجموعات كل مجموعة تتكون من ستة فتيات، يعملن على خدمته في فراشه وتلبية جميع احتياجاته. إضافة إلى زوجاته الرسيمات الأربع، ولكل واحدة منهن ثلاثمائة وصيفه.. ويذكر ماركوبولو أنه بلإضافة إلى ذلك العدد من الوصيفات، كان يعيش في منزل كل زوجة نحو عشرة آلاف شخص، وقد يكون في ذلك العدد مبالغة من ماركوبولو، لكن قد يكون أيضاً في ذلك رمزاً للعدد الكبير، وهذا العدد ليس بالضرورة أنه يقوم بخدمة زوجة من زوجاته أو الترويح عنها، لكن ربما أنه نمط من أنماط الحياة، وجمع ما أمكن جمعه بواسطة قريب لقريب، أو لإظهار الأبهة والعظمة، وشواهد ذلك، القصر الإمبراطوري المنيف القابع أمام ساحة تيان من، والذي كان يعيش بداخله نحو عشرة آلاف بين مخطبات ومخصيين، وكان يسكنه أسرة مينع، وأسرة تشينغ.
ويصف ماركوبولو قصر إمبراطور الصين قبلاي خان، ويذكر أنه لا يرى منه سوى الذهب والصور في كل مكان، وأشار أيضاً إلى قصر أحد الحكام الذي بنى برجاً في محيط قصره، وغطاه بالذهب بسماكة عرض أصبع اليد كاملاً، وكأن البرج كاملاً قد صنع من الذهب بمجمله. وفي بعض المقاطعات كان الرجال لا النساء يغطون كامل أسنانهم بالذهب سواء السفلى أو العليا بعد أن يضعوا لها قوالب خاصة. والحقيقة أن تغطية بعض الأسنان بالذهب كانت موجودة في العالم العربي، وقد شاهدنا عدداً لا بأس به من أولئك الذين يغطون إحدى أسنانهم العليا أو بعضها بالذهب.
قال ماركوبولو عن اليابان أنها جزيرة كبيرة جداً، وأن بشرة السكان فيها فاتحة، وهم جذابو المظهر، ومهذبو الأخلاق، والحقيقة أن هذه الصفات الحميدة، ما زالت سائدة في الشعب الياباني، ويذكر أن الذهب في تلك الجزيرة متوفر، لأنه لا أحد من البر الصيني سواء كان تاجراً أو غيره يذهب إلى هناك.. ويصف قصر الحاكم هناك فيذكر أنه في الوقت الذي يضع فيه الغريبون الرصاص لتغطية سقوف منازلهم ومعابدهم، يضع الحاكم لقصره سقف من الذهب، كما أن جميع غرف القصر الكثيرة مرصعة بالذهب الخالص بسماكة إصبعين كما أن القاعات والنوافذ، ونصف أجزاء القصر مزينة بالذهب، ويذكر أن الذهب موجود في كل مقاطعات الصين، وأن مدينة فوتسنان التي يلبس سكانها أسنان الذهب تحتوي على كميات وافرة منه.. حتى أن الأونصة منه يتم مبادلتها بخمس أونصات من الفضة، في الوقت الذي تتم مبادلته في أوروبا بنسبة واحد إلى أربعة عشر. ويذكر أن منطقة التبت التي تحوي عدداً كبيراً من الأنهر والمناظر الخلابة كانت شذرات من الذهب تنساب مع الماء العذب المندفع عبر الأنهر، وأهلها يلبسون الثياب الخشنة المصنوعة من جلود الحيوانات، ومع ما يتوفر لديهم من ذهب، فإنهم لا يعبؤون به كثيراً، ويقومون بمبادلة بضاعتهم بالملح.
هذه نبذة عن مذكرات ماركوبولو في الصين، ولعلنا نكتب المزيد عن ذلك في المستقبل.