د. خيرية السقاف
يحدث أن ترقم حروف مقالتك على متصفح جهازك المتحرك معك، أو الثابت فوق مكتبك، وقبل أن تحفظه، أو تظلله وترسله إلى موقع صحيفتك المنتظرة له، في لمحة بصر تجده قد اختفى في ظلمة الشاشة، وهجوع الحركة، ويسقط في يدك، ما العمل، لا حركة، ولا أي نبض في جهازك، تبحث عن المشكلة، فمصدر الطاقة يضخ في أرجاء مكتبك كل الأنوار، ومؤشر الاتصال بالشبكة الوسيطة فاعل متفاعل بألوان وهج أضوائه، ولا حيلة لك في ضحى يوم ليس لديك من يسعفك، وليس من وقت قبل صلاة الظهر أن يمد لك في دقائقه، فقط لتلحق بأي فني، يعينك على أن ينطق جهازك، يحدثك، يطمئنك على أفكارك التي أودعتها في أحد تطبيقاته، صفحة لا تلمسها، وحروفا ليست تندى بحبرك، أنت غريب عن عالم فرض عليك نفسه، بسطوته، وعسكر في حياتك كمحتل قيَّدك به، وسجن أورقك، وأغلق دواتك، وجفف حبرك، لكنه يستنزف كل اهتمامك، وشغفك، بسبله المختلفة، وتيسيره الآني، وإمكانات آلته، وغرقنا فيه بكل ما فيه..
هذا يحدث لي كما الذي حصل قبل يومين، لكن الجهاز المبجل كان يحدِّث نفسه، تماماً كالمرء ينزوي في حجرته الخاصة يجدد هندامه، يرتب مظهره، يضع كل صغيرة في مكانها، ساعة يده في معصمه، نظارته في مخبئه الجانبي، رشة عطره من حوله، حذاءه كمين قدميه، غطاء رأسه منظَّم الزوايا، والإسدال، حتى إذا ما اطمأن على استيفائه تفاصيل مظهره، خرج للعيان مفتول الحركة، باسم المحيا، على قدر من الحيوية للتفاعل، والإنجاز في مسار الضوء، والظل، والظلام..
أما هناك، فأوراقنا تشكو الهجر، وأقلامنا تنظر في أسى، لسان حالها يقول: وحدنا من يلبي لحظة بلحظة نداء فكرة تمرق في أذهانكم، نصيد لكم طيف عبارة تشكلت في وجدانكم، نحفظ لكم همسة مارقة قبل أن تتفلت منكم، وكلمة طائفة لا تغيب عنكم أجنحتها، وجملة نابضة ليست عصية وإن هطلنا بها أسرابا فوق أديمنا، وحدنا المستودع الآمن، والسبيل الذي لا يخادع، ولا يشرك غيركم فيما لكم، والرفيق الذي لا يجافيكم، ولا يخذلكم، والنهر العذب تجري جداوله كلما نهلتم من محابركم، وسُقينا..
..
..
حين نغيب عنكم قراءنا الأعزاء بلا موعد، تكون أجهزتنا من يخذلنا دون أن نأتيكم..
في حين لم تخذلنا أوراقنا، ولا أقلامنا يوماً، حتى بعد أن أخذت أصابعنا تشكو رهق الطريق!!.