حمّاد السالمي
توصلت مؤخراً؛ بنسخة (PDF) عن إحصاءات الحج 1439هـ - 2018م من طرف (الهيئة العامة للإحصاء)، وذلك إثر تناولي للحج والعمرة مكاناً وإنسانا وزماناً في أكثر من مقال في الفترة الماضية. الوثيقة الإحصائية هذه جاءت في (47) صفحة بالألوان الطبيعية والصور والجداول التوضيحية، إضافة إلى المقارنات والربط بين حركة الحجيج وخدمتهم وأعدادهم لأكثر من عام تبدأ من العام (1430 هـ).
لست بصدد الكلام عن كل ما عرضته هذه الإحصائية - الوثيقة - من أرقام مدهشة، ولكني لفرط إعجابي بهذا الجهد المبذول في هكذا عرض مواكب للحدث وسريع في الوصول للكل ورقياً ورقمياً؛ أردت أن أتكلم عن الفكرة ذاتها، وأعرض في الوقت ذاته لما حملته من مؤشرات غاية في الأهمية للجهات الرسمية والأهلية، وللباحثين والمطلعين والمثقفين، وكل من يهتم بمتابعة إدارة الحج والعمرة، بين المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
أود أن أشير بداية إلى أن هذه النشرة العلمية؛ والتي هي وثيقة تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ كانت تصدر من العام (1390هـ). أي منذ نصف قرن. وهي تعتمد على عدّ الحجاج الذين يدخلون مكة المكرمة في موسم الحج، ويعتبر المُحْرِم هو وحدة العدّ المستخدمة لهذه العملية. أي أن عملية عدّ حجاج الداخل؛ تقتصر على الأشخاص المحرمين الذين يتم حصرهم فعلاً في مراكز إحصاءات الحج عند مداخل مدينة مكة المكرمة. إضافة إلى مسح أسري عيني تنهض به الهيئة لتقدير الحجاج من داخل مدينة مكة المكرمة نفسها، ثم تعرض بعد ذلك؛ إلى الخدمات المساندة بشرية ومادية، فعلى سبيل المثال؛ فإن عدد حجاج العام (1439 هـ) كان (2.371.675)، منهم (211.736) حاجاً سعودياً، و(401.217) حاجاً من المقيمين بالمملكة، والبقية وعددهم (1.758.722) هم حجاج الخارج القادمين في الموسم نفسه.
هذا الحشد العظيم الذي تشهده مساحة محدودة في وقت محدود على صعيد عرفات ومزدلفة ومنى وبيت الله الحرام؛ خدمته وسهرت على راحته وأمنه (32289) سيارة بين صغيرة وكبيرة، وتفرغ لخدمته في الإشراف والإدارة والمتابعة والصحة والنقل والاتصالات والأمن: (287319) فرداً، منهم (12613) من الإناث. ما يعني أن كل فرد معني بخدمة سبعة حجاج.
النشرة الإحصائية السنوية - تُعرّف نفسها في إيجاز فتقول: (تعتمد الهيئة العامة للإحصاء في تنفيذ برنامج إحصاء حجاج الداخل على أسلوب العد الشامل لجميع القادمين إلى مدينة مكة المكرمة بقصد الحج، وذلك عن طريق مراكز إحصاءات الحج المقامة على جميع مداخل مدينة مكة المكرمة، والمراكز المساندة في كل من مدينة جدة والطائف والمدينة المنورة، حيث تبدأ عملية الحصر اعتباراً من (1 / 12)، وتنتهي في تمام الساعة السادسة من مساء يوم التاسع من شهر ذي الحجة. ويهدف برنامج إحصاءات الحج؛ إلى توفير بيانات ومعلومات شاملة ودقيقة عن أعداد الحجاج، حسب طرق وأيام قدومهم، للاستفادة منها في إعداد الخطط والبرامج اللازمة لتوفير رعاية نوعية متميزة لحجاج بيت الله الحرام).
هل وقفت أو تتوقف النشرة الإحصائية هذه عند شكل أو حد معين طيلة عمرها الذي وصل إلى خمسة عقود..؟ بالطبع لا، فهي تتطور عاماً بعد عام، وتستفيد من التقنيات العلمية الحديثة في الرصد والمتابعة، وفي تحليل البيانات التي تصدرها هي من مراكزها الكثيرة في المداخل والمخارج، وكذلك بيانات الجوازات، وكافة الجهات التي تخدم حركة الحجيج، بهدف توصيل المعلومة الصحيحة التي تحمل دلالات وإرشادات إلى أكثر من جهة وأكثر من مهتم بهذا الشأن.
تقول في واحدة من إضاءاتها النيرة في نسختها الأخيرة: (تقوم الهيئة بصفة دورية ومستمرة؛ بتطوير وتحسين آلية جمع البيانات، من خلال استخدام أحدث التقنيات والبرمجيات المتعلقة بجمع البيانات آلياً، من خلال استخدام الأجهزة اللوحية، والتي تتيح السرعة في الحصول على النتائج الإجمالية لعدد الحجاج، مصنفين حسب جنسياتهم ومراكز قدومهم، والتوقيت الزمني لقدومهم، من جانب آخر فإن الهيئة العامة للإحصاء؛ تقوم بتقدير عدد حجاج مدينة مكة المكرمة نفسها؛ من واقع المسوحات الميدانية التي تجريها بشكل دوري على عينة من الأسر في مدينة مكة المكرمة، بهدف التعرف على نسبة الحجاج فيها، وهذا العدد بالإضافة إلى الحجاج القادمين من بقية مناطق المملكة؛ يمثل إجمالي حجاج الداخل. أما بخصوص حجاج الخارج؛ فإن المديرية العامة للجوازات؛ تقوم سنوياً بحصرهم، وتزويد الهيئة بعددهم، موزعين حسب الجنس والجنسية، وتاريخ وطريقة القدوم).
هذه إضاءة بسيطة، نقف من خلالها على جهد جبار غير مرئي، يبذل لخدمة ضيوف الرحمن، وتنهض به مؤسسة رسمية عريقة هي: (الهيئة العامة للإحصاء)، التي تملك خبرات تراكمية في هذا الميدان عمرها نصف قرن.
شكراً (الهيئة العامة للإحصاء). إن لغة الأرقام اليوم؛ هي الأسرع في التواصل والوصول. ووثيقتكم السنوية الرقمية، تقول الكثير الذي تنوء بحمله الكتب.