د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** امتد نقاشًا هادئًا مع صديق عربيٍ مسلمٍ خلال الصيف خارج الوطن؛ فقد استقى - وهو الساكن منذ عقود في البيئة الأميركية - أكثر معلوماتِه عن مدخلات ومخرجات الأزمات العربية منذ حركة جهيمان وإفرازاتها ثم غزو العراق وتداعياته مرورًا بأحداث أيلول وعبورًا فوق مسارات الربيع العربيّ من المقالات الانطباعية والوسائط الرقمية والحوارات المرئية التي تتحدث عن الفكر المتشدد المنغلق الذي اصطبغ به إنسانُ هذه الأرض مستشهدًا بما ذكره واحدٌ وثنَّى به آخر وانتشى به ثالث وسابع وعاشر .
** لن يكون مفيدًا الاتكاءُ على أقوالٍ مبتسرة ونقولات مختصرة ومواقف مبتورة للتدليل على أن المدرسة «الحنبلية - التيمية - الوهابية» مسؤولةٌ عن جذور التشدد ومعنيةٌ ببذوره، ومع اليقين بأن لكل مدرسةٍ شخصيتَها، وبوجود مدارس خارجة على المدرسة الأم، وظهورِ شخصياتٍ لم تسكن في «البارادايم» التقليدي فإن قراءة تأريخ هؤلاء الرموز وربطها بمعالم حياتهم وظروفها السياسية والاجتماعية كفيلٌ بنفي الانتقاء المتحيز.
** طال الحوار الهادئ بمسافة الصيف الجميل في ذرى «برمانا»، وكنا جيرةً نلتقي مع صديق ثالث في معظم الأمسيات، وربما وصلنا إلى نقاط التقاء كما وقفنا عند نقاط افتراق، ولم يعلُ صوتٌ على صوت، وتبادلنا القراءات المرجعية فتوثّقت الصداقة الإيجابية بالرغم من الافتراق المذهبي الذي لم يكن له حضور في الطرح أو الشرح، وهذه صورة مضيئة تقابلها صورٌ لا تخلو من إعتام.
(2)
** وسط الصراعات المؤدلجة والمشخصنة التي مرت «وتمر» بها الثقافة العربية - منذ عقدٍ من الزمن أو يكاد - يتداخلُ من يغوصون في المتون مع من يكتفون بالعناوين لتتكون اقتناعاتٌ عصيةٌ على النقض من الجانبين، ومن نواتجها تجاوزُ العلميةِ في الحوار، والاكتفاء بأسطر بحجم تغريدات، وردودٍ بمنطق المعاداة، وتيهٍ يصعب بسببه الاطمئنان إلى وجود اقتناعاتٍ بمنهجٍ يبلغُ معه الشداة والمتابعون درجةَ الفهم اليقينيّ.
** الحكاية هنا متصلة بذوي القراءات اللاهثة المكتفين بوسائط التواصل وتناقلات المجالس، وهم الأغلبية، ومعضلتهم اكتفاؤهم بسطر أو جملتين؛ فإذا تخطاهما الحوار بطلب توثيق أو تحقيق توقف بعضهم، ولجأ للتصنيف معظمهم، لتنطلق بعدها سجالاتُ التعاتب والتكاذب بلوغًا للتلاطم والتشاتم.
** والمشكلة ذاتُ جانبين؛ سلوكي وعلمي؛ إذ اعتاد أكثرُ المتداخلين على اتهام النوايا والدخول في الخبايا واستعادة سير بعضهم بما يَشينهم، ولو أنصفوا لربعوا على أنفسهم قولًا، وادَّكروا أن التتبعَ والترصد لا يغني من الحق شيئًا، وأن الإنسان منفصلٌ عن ماضيه وآتيه؛ لا يعيبه خطأٌ مرّ ولن ينأى عن تبدلٍ يستقر.
** أما الخللُ الأنكى فهو مجافاة المنهجية والموضوعية بترديد ما يُقال دون عمقٍ معرفي مهيأٍ للمحاكمة والحكم، وهما شرطا الثقافة اللذان لا تستقيمُ دونهما صفة ولا موصوف.
(3)
** اللغوُ ضعفٌ وحيف.