د. منصور بن صالح المالك
هناك عنصران مهمان في قضية المواطن السعودي جمال خاشقجي يرتبطان بسيناريو أحداث القضية ويكشفان جزءًا من جوانبها، هما الزمان والمكان. الزمان الذي تم اختياره هو قبيل الانتخابات النصفية الأمريكية، وهو موعد الصراع السياسي بين الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي. الصراع يعتمد على محاولة كل فريق كسب نقاط على حساب الطرف الآخر، وعلى البحث عن الأخطاء والفضائح وخلافه. وهو الوقت الذي ينشد فيه الشعب الأمريكي والنخب السياسية إلى الشبكات الإخبارية وقنوات التلفزيون. تم اختيار هذا الوقت بعناية وعليه تحولت قضية خاشقجي إلى سلاح بيد الحزب الديمقراطي في مواجهة الجمهوريين والرئيس ترامب بالذات. وتحولت التسريبات الكاذبة التي تطلقها مصادر مجهولة إلى حقائق دامغة بغرض الاستفادة منها في هذا الصراع وتسجيل مكاسب حتى ولو على حساب الحقيقة. يشهد على ذلك سقوط مهني وإخلاقي لشبكات إخبارية وصحف كان ينظر لها بدرجة عالية من المصداقية والمهنية قبل أن تنكشف بشكل سافر في هذه القضية. قضية خاشقجي تحولت إلى قضية رأي عام في أمريكا أهم بكثير من قضية مقتل السفير الأمريكي مثلاً في بنغازي، لأن اليسار الأمريكي والديمقراطيين الأمريكيين يريدون الاستفادة القصوى من هذه القضية.
المكان أيضاً ليس بريئاً، فلا يوجد بلد في العالم يمكن أن يسمح بتسريبات كاذبة تهدف إلى طمس الحقائق وربما تعديل مجريات التحقيق إلى اتجاه آخر غير تركيا. ما حدث لا يمكن أن يحدث في بلد أوروبي أو حتى عربي. فقط في تركيا يمكن لقناة الجزيرة الادعاء بالحصول على صور مفبركة وتصريحات كاذبة من مصادر مجهولة ونشر عناوين مغلوطة ونسبها إلى مسؤولين أتراك دون أي مساءلة من السلطات التركية. أما الرئاسة التركية فهي تهدف إلى تحقيق مكاسب عديدة، منها ضرب صورة المملكة في العالم، يؤكد كلامي هذا مقولة الرئيس أردوغان «أن تركيا هي الدولة الوحيدة القادرة على قيادة العالم الإسلامي». قال هذا في وسط معمعة هذه الأحداث وبأسلوب استغلالي رخيص.
الزمان غير بريء والمكان غير بريء وأطراف إشعال القضية غير بريئين كذلك.