للدكتور البازعي أكثر من اثني عشر كتاباً وهي حصيلة كبيرة في التأليف بما اشتملت عليه من موضوعات وقضايا أدبية وفكرية تجاوزت الاهتمام بالأدب المحلي إلى الأدب العربي والعالمي وشملت الشعر والنثر والفكر والفلسفة، ذلك أن مجال البحث لدى الدكتور البازعي - المتخصص أصلاً بالأدب الإنجليزي لا تحده حدود، ترفده في ذلك ثقافته الواسعة في اللغتين والثقافتين العربية والإنجليزية.
أن معرفة الدكتور البازعي الدقيقة بالأدب العربي والغربي قديمة وحديثة جعلته يكتب عن الأدب السعودي ضمن وعي بتحولات الأدب والفكر عربياً وعالمياً.
حيث تجتمع في أعماله دراسات عن الأدب السعودي مع دراسات عن الأدب العربي والغربي. يقول إن في صميم اهتماماتي النقدية (هو إبراز التواشج بين السياق العام للشعر العربي المعاصر والسياق الخاص للتجربة الشعرية في الجزيرة العربية والخليج) كتاب إحالات القصيدة 1998 ص10 .
أضف إلى ذلك أيضاً سياق الأدب العالمي الذي اهتم به اهتمامه بالأدب العربي، وهو بذلك يمثل استثناء بين معظم الأكاديميين العرب المتخصصين في الآداب الغربية الذين تقتصر اهتماماتهم على هذه الآداب دون التفات للأدب المحلي وبالتالي... لا نرى لتجربتهم الأكاديمية في تلك الآداب أي صدى في أدب ولغة بلادهم.
ملاحظة أخرى وهي أن الدكتور البازعي يكتب النقد بلغة إبداعية سلسة وشيقة، فلا تكلف في استدعاء نظريات، أو كثرة الاقتباسات والإحالات، التي تحوّل النقد إلى إحصاءات وجداول تثقل العمل النقدي وتصرف القارئ عن متابعته. تقرأ للدكتور البازعي فلا تشعر بثقل التنظير ومزاحمته لك، وإنما تستمتع بأسلوب إبداعي وكأنه قطعة من الإبداع نفسه.
وهذا ديدنه في كل كتاباته مما يمنحها جاذبية من المتعة والفائدة للقارئ المتخصص والعادي لأن التأمل في الجماليات يعني له تأملاً في ماهية الشعر.
أما منهجه النقدي فيقول عنه (إنه لا يندرج بسهولة ضمن أي من اعتبارات الرئيسة التي أعرفها.. أنني أعلم أن بعض المفاهيم التي أطرقها تميل بي نحو منهج أو مدرسة اجتماعية في النقد الأدبي، لكنني أدرك في الوقت نفسه إنه إن كان ثمة شيء من ذلك فإنه لم يأت كفرضية مسبقة وإنما كشكل تالٍ لقراءاتي في الأدب وغير الأدب. بل أنني في تلك الأحيان التي أحس فيها بضغط تلك المفاهيم، أحاول الخروج من أسرها بإعطاء الأبعاد الجمالية شيئاً من حقها). ثقافة الصحراء ص12 .
هذا الكم الكبير الذي بين أيدينا الآن من أعمال الدكتور البازعي، وتنوع دراساته بين الأدب المحلي والعربي والعالمي، وفي الثقافة والفكر عامة، تجعل من الدكتور البازعي ظاهرة نقدية بارزة في النقد العربي الحديث جديرة بالتأمل والتقدير.
هذه وقفات عند عدد من أعمال الدكتور البازعي في سرد تاريخي، فيما توفر لي من إصدارات، الهدف منها تعريف القراء بهذه الأعمال بشكل سريع، لكن الزخم النقدي الذي حفلت به أعمال الدكتور البازعي والقضايا التي طرقتها تحتاج إلى دراسات متخصصة، تسبر أغوارها وتقف على تطوراتها وتعطي هذه الأعمال المكانة التي تستحقها.
كتاب: ثقافة الصحراء 1991م هو أول كتاب يصدره الدكتور البازعي، جمع فيه عدداً من الدراسات التي نشرت في الصحف أو ألقيت من على منابر وفي الندوات واشتمل الكتاب على دراسات عن الشعر والقصة القصيرة في نماذج من البحرين والسعودية. ومعظم كتب الدكتور البازعي أوراق معدة سلفاً يتم جمعها في كتاب تحت عنوان يؤلف بين موضوعاتها ولكل كتاب مقدمة أو استهلال مهم يذكر فيه هدف الكتاب ويلقي الضوء على مصطلح أو مفهوم معين، كذلك يضع عنواناً فرعياً للكتاب وعناوين فرعية للفصول نفسها وهي كلها مما يساعد على وضع هذه الدراسات في إطار يقرب فهمه للقارئ.
ارتبطت عناوين بعض الكتب وبعض الدراسات في المملكة بكلمة الصحراء من حيث دلالتها كأطر رئيسة: (يمكن من خلالها أن نقرأ الأدب في منطقة الجزيرة العربية كمعنى إنساني بيئي) ثقافة الصحراء، ص10 . ومصطلح ثقافة الصحراء يعزى للأستاذ الناقد عبدالله نور. لكن البازعي يعود للقول: (قد لا يكون فهمي أو تطبيقي لثقافة الصحراء منسجماً تماماً مع أسس هذا الإطار النقدي، وخاصة أنها تمتزج لدي مع نمطي الشفوية والكتابية أو تتضمنها على أقل تقدير) ثقافة الصحراء ، ص11.
والحقيقة أن هذا المفهوم ـ في ظني ـ ما تزال دلالته غير دقيقة. وعندما صدر أول كتاب للمختارات في الأدب السعودي عام 1937هـ بعنوان وحي الصحراء، لم نجد في مقدمة المؤلفين عبدالله بلخير ومحمد سعيد عبدالمقصود، أو مقدمة محمد حسين هيكل أي إشارة لكلمة الصحراء أو المقصود بها، وهذا أمر ينبغي الوقوف عنده والتساؤل عما يعنيه المسمى في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الأدب السعودي.
كتاب ثقافة الصحراء من الأعمال المبكرة التي تناولت أدب الحداثة أو الأدب الجديد كما يصفه البازعي، فالهدف هو: (تقريب المسافة بين أدب جديد وجمهور من المتلقين لم يألفوا ما في ذلك الأدب من جدة) ثقافة الأسئلة، ص11.
واشتمل الكتاب على دراسات في موضوع الهوية المحلية وتجلياتها في النص الأدبي، وتداخلات القصيدة والوطن، والعشق والوطن، ومفهوم الحداثة في الشعر العربي الخليجي كمعاصر. ومصطلح الشعر الجديد والقصيدة الجدية وأخذ يكشف كيف استطاع شعراء القصيدة الحديثة أن يحدثوا التغيير في مسار القصيدة، وبذلك يضع الكتاب اللبنات الأولى للنقد الجديد في المملكة، ومحقق على مظاهر التجديد في قصائد عدد من شعراء التفعيلة، وتوظيف الأسطورة والرموز المحلية.
وفي كتابه إحالات القصيدة قراءات في الشعر العربي المعاصر 1998م، ينشغل البحث: (باستحضار الشعر في إطار الطرح الثقافي بمعنى الانحياز إلى دلالات الشعر وسياقاته الثقافية بدلاً من تكويناته الشكلية وسياقه اللغوي المغلق داخلياً) إحالات القصيدة، ص8 ، وسؤال الثقافة هو مما يشغل الدكتور البازعي في دراساته منذ البداية.
واجتمعت في هذا الكتاب قراءات في مرجعيات الشعر، العمودي والتفعيلي وقصيدة النثر. وهناك فصل عن شفوية الكتاب واستعادة الموروث الشعبي في القصيدة السعودية وعلاقة هذا الحضور للموروث بالتعبير عن هموم الوطن. ويظهر البازعي هنا سعة اطلاع على تاريخ الشعر النبطي ومعرفة دقيقة بأعلامه وموضوعاته، بل وفي الشعر الشعبي الحديث في كتاب جديد لم أطلع عليه بعد.
وهذه المرجعيات هي التي تعطي للكتاب عنوانه: (إحالات). لكن الكتاب احتوى أيضاً على دراسات أخرى كثيرة مهمة ومتنوعة في الشعر السعودي والعربي وعناوين مثل: المثاقفة، قراءات في التمحور الشعري، استيلاد الشعرية وابتكار الجماليات، والخطاب الاستغرابي في الشعر السعودي. ويؤكد البازعي أنه ورغم تعدد عناوين فصول الكتاب وتنوع دراساته فالدكتور البازعي يؤكد أن هناك رؤية نقدية واحدة تدفعها في اتجاهاتها المختلفة، ولعلها هذه المرجعيات والإحالات.
وتمثل قصيدة النثر حضوراً بارزاً في كتاب أبواب القصيدة 2004 ، كذلك حديثه عن بعض المفاهيم مثل الشفوية، والمثاقفة وبعضها ربما لم تكن شائعة في النقد السعودي آنذاك، مثل: جماليات العزلة، حيث يقول: (الكشف عن جماليات العزلة كشف عن قيم إبداعية ونقدية) أبواب القصيدة، ص18 ، وأن المتأمل في الجماليات يعني بالنسبة له تأملاً في ماهية الشعر، فيما يغدو بالشعر شعراً وما تغادر بقدرته الأشياء عاديتها وألفتها لتكتسب الدهشة وتضيء». أبواب القصيدة، ص17.
وثمة كتاب بالغ الأهمية، ويدخل فيما يسمى نقد النقد. هو: استقبال الآخر، الغرب في النقد العربي لحديث 2004 . وعن سبب تأليف الكتاب يقول الدكتور البازعي: (النقد الذي اطلعت عليه وتمثل في بعض أقطابه يقوم على الكثير من التهالك على النظريات والمناهج الغربية والاستعجال في تمثيلها). استقبال الآخر، ص7.
وما يزعج المؤلف هنا هو استقبال النقد العربي بالمعنى الذي يبرز خضوع الكثير من نقدنا العربي لمقولات ونظريات ومناهج ليست مناسبة دائماً، أو بالشكل الذي استقبلت به، ولم تستوعب في الغالب كما ينبغي) استقبال الآخر، ص5.
في حديثه عن خصوصية السياق في النقد الغربي خصص الدكتور البازعي قسماً في الكتاب لتاريخ تطورات النظرية الغربية وسياقاتها وأعلامها: مثل، التيار الواقعي، الشكلاني، البنيوية والنقد الماركسي والتقويضي ثم تحدث عن الاستقبال العربي للنظرية الغربية وبداياته إلى العصر الحديث.
وبين البازعي المشاكل التي وقع فيها النقد العربي الحديث في سعيه للمثاقفة مع الغرب، كما بين: الخلط وعدم الفهم في تطبيق هذه النظريات في العالم العربي وكشف عيوب بعض النقاد العرب الذين وقعوا في أخطاء جسيمة ومبالغة وادعاء بالابتكار والأسبقية في تمثل النقد العربي، الذين أساؤوا فهم المنهج النقدي الغربي..
والدكتور البازعي في نقده لاستقبال الآخر لا يعني موقفاً رافضاً لعالمية المعرفة كما يقول، ولكن: (المقصود هو موقف حضاري مستقل يستطيع التحاور مع الثقافة القادمة بتحليلها تحليلاً يحترم ما فيها من اختلاف واتفاق ويسعى للإفادة من ذلك كله، وفي الوقت نفسه ينتقد ما قد تنطوي عليه الثقافة من مغايرة في السياقات أو ما قد تدعو إليه من مواقف قد يتفق معها الدارس وقد لا يتفق) ص241.
والكتاب مهم لما فيه منن رؤية موسوعية للثقافة والفكر الغربي ولفلسفته وتطورها عبر العصور، وكذلك الفكر الفلسفي والثقافي العربي في موضوعه بهذا الجهد العلمي الكبير الذي لا يتوفر إلا لمن يملك هذه المعرفة العميقة بالفكر العربي والفكر الغربي على حد سواء ويمكن أن نذكر بالمناسبة، كتاب دليل الناقد الأدبي الذي يحتوي على إضاءة لأكثر من سبعين تياراً ومصطلحاً نقدياً معاصراً والذي صدر للدكتور ميجان الرويلي والدكتور سعد البازعي قبل كتاب استقبال الآخر، والذي جاء هو الآخر من الشعور بعيوب ترجمة المصطلحات الغربية وسوء تطبيقها في الأدب العربي. والدليل يعتبر من أدق ما كتب في هذا الموضوع، وقد لقي احتقالاً واهتماماً كبيراً وصدى واسعاً في المملكة وفي العالم العربي.
أما كتاب المكون اليهودي في الحضارة الغربية عام 2007 ، فهو كتاب ضخم ( 398 صفحة ) يقدم صورة شمولية لدور اليهود في الحضارة الغربية ويذكر أهم المؤثرين من علمائهم وتأتي أهمية الكتاب من ناحية علمية ومعرفية، لكنني أيضاً أعتقد أن الكتاب مهم للقارئ والباحث العربي بسبب الصراع التاريخي مع اليهود والعلاقة الملتبسة بهم مما قد يؤثر أحياناً على نظرتنا للفكر اليهودي في أي مكان.
جاءت أبحاث هذا الكتاب في عناوين منها باختصار، الحضور اليهودي في إطار تاريخي، اليهود من التنوير إلى الخلاص، الحضور اليهودي في التاسع عشر، الأقلية الكاسحة، مكونات يهودية في النقد الأدبي، ومن الأسماء التي دار حولها الكتاب شتاينر، سبينوزا، دزرائيلي، فرويد، فروم، أدورنو، دريدا، هارولد بلوم وغيرها.
ويهيأ لي أن الكتاب يندرج تحت مشروع كتاب: (استقبال الآخر). ويصب في أهدافه وهو عمل موسوعي ونقدي كبير، في النظرة للدور اليهودي في الثقافة الغربية. والمؤلف لا يخفى خوفه من سوء الفهم الذي أفصح عنه في الخاتمة «الذي يمكن أن يأتي من النظر للكتاب من إحدى زاويتين: «إما انه هجوم على اليهود أو أنه مديح لهم» ص396 .
وهو بالطبع ينفي ذلك. ويقول (من غير الصحيح فهم الكتاب بوصفه سعياً إلى إبراز مساوئ اليهود.. وإن برز من ثنايا التأريخ والتحليل ما يمكن عده مساوئ أو أخطاء) ص396 ، لكن الكتاب لا يخلو في تحليله وتقويمه للمكون اليهودي من حكم لم يكن دائماً ضد اليهود وإنما كان أحياناً في صالحهم) ص392 .
ونجد في كتاب شرفات للرؤية 2005 أيضاً شيئاً عن استقبال النظرية الغربية وأزمة الحضارة الغربية وكذلك أبحاثاً عن العولمة والثقافة، التفاعل الثقافي، المثاقفة علاقة ذلك باليهودية. وكأنه امتداد لبعض مؤلفات الدكتور البازعي وانشغاله بهم الثقافة والآخر كبؤرة محورية في دراساته.
في كتاب جدل التجديد في الشعر السعودي 2009 م عودة أخرى للأدب السعودي بعد كتاب ثقافة الأسئلة، وكتاب إحالات القصيدة، لكنه الكتاب كله عن الشعر السعودي خلال فترة زمنية هي نص قرن، فالكتاب يأتي بتكليف من وزارة الثقافة والإعلام وهو كما يصفه الدكتور البازعي يتألف من قضايا مركزية أو بؤر تتجمع حولها أسماء وقصائد كان اختيارها لاتصالها المباشر بتلك القضايا أو البؤر التي تتجمع حولها مع مراعاة العوامل التاريخية قدر الإمكان). ص13 ،وهو يوظف رؤية نقدية تفسيرية للمشهد الشعري السعودي تتوخى الكشف عن جوانب لم تكن واضحة من قبل) ص14 .
ويبدأ الكتاب بإضاءات أولية يؤرخ فيها للتجربة الشعرية في المملكة، ثم يبحث في آفاق التجديد عند شعراء رومانسيين ورمزيين، كالقرشي وأبو حيمد، والمسلم، والرمح والعيسى، ثم تأتي عناوين مثل جدلية الذات والآخر عند شعراء مثل القصيبي والحميدي وعلي الدميني وحسن السبع... وهناك فصل عن حداثة التفعيلة في جزأين ضم شعراء منهم محمد العلي، الحميدي أحمد الصالح والصيخان والثبيتي والدميني واشجان هندي وخصص الفصل الثالث عن قصيدة النثر تحت عنوان الطريق الآخر للشعر.
بعد مفهوم ثقافة الصحراء الذي يعني استعادة الثقافة التي تتسم بها الحياة الصحراوية، في الإبداع الشعري، يأتي كتاب سرد المدن 2009 وهو عن الإطار القصصي بخطابه المدني واحتفائه بالمدينة وهمومها وتفاصيلها في الرواية والسينما، وكأنه خطاب المدينة، أو يمثل ثقافة المدينة مقابل مفهوم ثقافة الصحراء. يبحث الكتاب في أعمال روائية عربية وسعودية، وفي أفلام سينمائية، وهي المرة الأولى التي نجد فيها دراسة في النقد السينمائي، وفي الكتاب دراسة عن قصيدة النثر الذي يعتبرها الباحث من نتاج المدينة، لكن الدكتور البازعي لا ينكر مع ذلك، استمرار الصحراء محركاً للكثير من النتاج الأدبي والثقافي لاسيما الرواية عند تركي الحمد وأميمة الخميس، وبدرية البشر.
في كتاب لغات الشعر قصائد وقراءات 2011 الفائز بجائزة الكتاب لوزارة الثقافة والإعلام، يقول الدكتور البازعي أن هذا الكتاب يسعى لاكتناه التجربة الشعرية، ومعايشتها.
ونصوص الكتاب أصلاً بالإنجليزية، ترجمها الباحث نفسه وبلغت 15 نصاً جاءت من ثقافات مختلفة، تركية، إيرانية، هندية، إيرلندية.. إضافة إلى نصوص قليلة بالعربية تربطها قضية هموم الشعر وقضاياه، وفي الكتاب جهد الترجمة وجهد البحث والدراسة، ويطلع القارئ على نماذج شعرية عالمية قد لا تجتمع بهذا التنوع في مكان آخر مع ما تضيفه الدراسات حولها من إضاءات نقدية مهمة. في الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف 2011.
يؤكد الدكتور البازعي في هذا الكتاب الاهتمام بثقافة الآخر، والثقافات المختلفة وكيفية فهمها والتعامل معها).
ويعرف الاختلاف الثقافي بقوله: الاختلاف الثقافي عبارة يقصد بها الإشارة إلى الاختلاف بوصفه ظاهرة ثقافية وسمة رئيسة من سمات الثقافة.. أما ثقافة الاختلاف فالمقصود بها الثقافة المتراكمة نتيجة الوعي بالاختلاف والصدور عن ذلك الوعي ودراسته وتحليله الأمر الذي يُوجد تراكماً معرفياً وخبرة إدراكية، أو مجموعة من المعارف والخبرات التي تتألق فيها ثقافات نابعة من الاختلاف ص9 .
في صفحات أولى من الكتاب يتحدث بإفاضة عن مفهوم (الاختلاف) فيقول إن «الاختلاف» مفردة شائعة اكتسبت بعدها مفهومياً واصطلاحياً نتيجة جهود بعض المفكرين الذين أسهموا في تعبئتها بحمولة دلالية معرفية جديرة بالاهتمام ثم يتحدث عن هذا المصطلح وتطور مفهومه، ويورد آراء ومواقف عدد كبير من المفكرين العرب وغير العرب عن الثقافات الأخرى مما ينطبق على مفهوم الاختلاف. وفي فصول الكتاب قضايا بحثية مثل قضايا المصطلح والمنهج مثل والآخر، والنظرية والتنوير، ونجد أن الثقافة وما تواجهه من سلطة ورقابة هي من المشاغل الرئيسة للدكتور البازعي.
وفي كتب مثل مشاغل النص واشتغال القراء 2014 ، وكتاب مواجهات ثقافية 2014 ، وقلق المعرفة 2010م وهموم العقل 2016 .
ويقول: وتعبير مواجهات وليس مقارنات تعني اهتماماً بنوع خاص من المقارنة، نوع يبتدئ فيه التوتر الشديد وتتسبب السياسة الثقافية في جعله ظاهرة مؤشكلة مواجهات ص9 .
وكأن هذه الكتب الأخيرة ودراساته حول الرواية والشعر والرقابة والسلطة والهوية والثقافة بمثابة تمهيد لكتاب الدكتور البازعي الضخم: مواجهة السلطة 2018م الذي بلغت صفحاته 470 صفحة.
والجدير بالذكر أن كتاب مواجهات ثقافية هي دراسات للدكتور البازعي باللغة الإنجليزية ترجمتها مهرة العتيبي.
في جدل الألفة والغرابة قراءات في المشهد الشعري المعاصر 2016م، يصف الدكتور البازعي الكتاب بأنه: (وقفات عند ذلك الجدل، تلك العلاقة التبادلية التي يلد فيها أحد الطرفين الآخر، أو يستدعيه بالضرورة ليشكل الإنسان معادلة الرؤية الشعرية أو إحدى دلالاتها الكبرى. وأن إحدى مهمات الإبداع هي إزالة القشرة الصلبة التي يخلفها التكرار والعادة التي تتراكم بسبب ألفتنا للعالم) ص7 .
يرى أن الشاعر «قارئ موضوع قراءته العالم، الطبيعة، الحياة الإنسانية ... إلخ وهو في القراءة يصدر عن حكم نقدي مسبق، حكم يرى أن ثمة ما يستحق الوقوف عليه والكتابة عنه، أن ثمة ألفة تستحق إزالتها بحثاً عن غرابة أو دهشة كافية، أو أن ثمة جانباً من الحياة تظلمه سطحية الرؤية وأن الوقت قد حان لكي يحفر أحد لإظهار عمق خاف أو أهمية مقفلة) ص10 .
ورحلة الكشف عن الغرابة في الألفة والعمق في السطحي رحلة جماعية يبدأ بالشاعر/ الكاتب وتنتهي عند قارئ يحمل الرؤية ذاتها والهم ذاته) ص11 .
يشتمل الكتاب على رؤية ماسحة للشعر الإنجليزي منذ 1945 إلى ما بعد السبعينات وموضوعات أخرى في جدل الألفة والغرابة ونقد لنصوص شعرية سعودية وعربية وغربية.
مواجهات السلطة 2018م
يقول: عنه الباحث: هذا الكتاب يقدم للقارئ عملاً إشكالياً، ربما أكثر إشكالية من كتابي السابق المكون اليهودي المقارب حجماً ص9 ، وأن المواجهة بين السلطة والثقافة لا تنحصر في السياسي من السلطات وإنما تمتد إلى الاجتماعي والثقافي وأحياناً الاقتصادي فالسلطة متعددة الوجوه. ص9-10 ، فكل سلطة سياسية، دينية اجتماعية اقتصادية والثقافة نفسها يمكن أن تعد سلطة بمعنى من المعاني، ويعرض للمواجهات المتكررة في الثقافة العربية بأنواعها مع ما يقابل ذلك في الثقافة الغربية ويرى أن أكثر السلطات قمعاً ومنعاً عند العرب والمسلمين الدينية والسياسية.
هذا الكتاب هو موسوعة ثقافية ضخمة في موضوعه، فيه استقصاء شامل ينتقل بالقارئ عبر العصور في الفكر والأدب العربي، ومثلها في الفكر الغربي وأدبه، مناقشاً بالأمثلة والأسماء إشكالية الثقافة والسلطة..
في مواجهة السلطة في الثقافة العربية نجد مواجهات الشعر منذ النابغة الذبياني في العصر الجاهلي، ومواجهة الكتَّاب منذ المقفع، ومواجهة الفكر منذ الفارابي. وفي مواجهة السلطة في العصر الحديث نجد مواجهات رفاعة الطهطاوي والكواكبي وطه حسين وغيرهم.
وفي مواجهة المشهد العربي المعاصر نجد العروي والجابري وأدونيس، وغيرهم.. ومواجهة القصيدة، ومواجهة النقد إلى مواجهات الاستشراق والفكر الغربي الحديث والمعاصر.
وفي مواجهة السلطة في الثقافة الغربية. وفي مواجهة السلطة في الثقافة الغربية يلاحظ البازعي بأنه (عندما كانت الثقافة العربية عصر ازدهار من القرن الثامن وحتى الحادي عشر الميلادي كانت أوروبا تعيش ما يعرف بعصور الظلام التي أعطيت سقوط الدولة الرومانية في القرن الرابع الميلادي... ولم تسمح بتطور ذلك المنوع من المواجهات الذي عرفته الثقافة العربية في عصر ازدهارها وإن كان من غير المقصود غيابها تماماً) ص295 .
وفي مواجهات السلطة في الثقافة الغربية نجد مواجهات العصور الوسطى أوروبا وللحداثة الغربية الرشدية..
ومواجهة الكنيسة، كذلك مواجهات عصر النهضة.
والكتاب يحتوي على كم معرفي هائل من الأمثلة والشواهد وأسماء كثيرة لمثقفين غربيين وعرب الذين كانت أعمالهم عرضة للمواجهات مع السلطة...
هذه الوقفة القصيرة لا تغني عن قراءة هذه الأعمال والوقوف عندها طويلاً، والورقة مجرد مشاركة احتفائية بالتجربة النقدية للدكتور سعد البازعي.
** **
- د. عبدالله المعيقل