عبد الرحمن بن محمد السدحان
* عماد الدين أديب وفيصل القاسم وجهان (لعملتين) مختلفتين حجمًا وأداءً ومضمونًا! الأول أديب متمكن، حجب نفسه عن الشاشة البيضاء منذ سنين، والثاني يطل عبرها مرة وربما أكثر في الأسبوع من خلال برنامج (الاتجاه المعاكس) الذي (يفتعل) من خلاله الشغب، ويستفز ضيوفه بالكلام، فيتعاملون مع الموقف تحت مظلة (مع وضد)، تارة بالكلام المباح، وأخرى بالصوت العالي، وثالثة بالحذاء أو ما وصلت إليه أيدي بعضهم!
* * *
* كل منهما يلفت البصر، ولكن لسبب مختلف!
* الأول.. مفرط في الحجم.. طولاً وعرضًا!
* والثاني.. معتدل الحجم.. لكنه (مفرط) في الاهتمام بـ(كرزما) الوجه والشعر، حتى ليخاله المرء أول وهلة (تمثالاً) من شمع!
* * *
* وهما جِدُّ مختلفَيْن في (أخلاقيات) الجدل!
* الأول يتحدث بـهدوء، تسيِّره لغة من العقل أكثر هدوءًا، وعبارات لا تشكو عوجًا ولا تكلفًا ولا عنفًا!
* والثاني.. يطلق كلماته كقذائف (بازوكا)، يكتسح بها (الحدود) النفسية لضيف البرنامج، يكاد من فرط اشتعاله بحمى الكلام أن (يحرق) نفسه ومن حوله! وما هي سوى لحظات حتى تتفجر حمم الكلام لدى ضيف الحلقة تأثرًا بما سمعه، وقد يفقد السيطرة على نفسه، لسانًا ويدًا وجسدًا!
* * *
* كلاهما مثير..
* لكنهما جِدُّ مختلفَيْن في ذلك وسيلة..
* الأول.. لا يعتمد الإثارة وسيلة، ولا يتعمدها غاية، بل تأتي دون استفزاز لعقل المحاور.. أو استنفار لوجدان المشاهد!
* أما الثاني فيعتمد الإثارة.. ويتعمدها في آن.. وسيلة وغاية!
* يتحول (منبر) الحوار إلى حلبة (مصارعة)، لا غالب فيها ولا مغلوب!
* وقد تمتد الأيدي أحيانًا.. في كل اتجاه..
* فيرتبك المتحدث..
* ويغضب المشاهد..
* و(تنتحر) القضية في مذبح الهياج.. باسم حرية الفكر!
* حينئذ.. يتمنى المشاهد لو كانت له حيلة فيخترق جدار الشاشة فكًّا للاشتباك.. وإنقاذًا للأعصاب.. وردعًا للتوتر!
* * *
وبعد..
* فإن برنامج (الاتجاه المعاكس) الذي تطرحه قناة (الجزيرة) القطرية منذ سنين بات نفسه قضية.. بلا قضية، سوى الإثارة!
* جنى عليه بإصرار فيصل القاسم حين جعل (الإثارة) فيه قضية؛ فحوَّله من منبر للحوار إلى فرن يحرق العقول والأعصاب!
* * *
* نعم لحرية التعبير.. لكنّ لها فـي كل زمان ومكان حدودًا وآدابًا، إذا تجاوزها ممارسُها غدت حماقة لا تُحمد لها عقبى!
* قد يقول قائل: هل من العدل أن تحمِّلوا فيصل القاسم الوزر كله!!
* أقول: ليس هو الملوم وحده دائمًا، بل (الجزيرة) التي تذكرني بعض ممارساتها بدبلوماسية السياسة البريطانية العجوز (فَرِّقْ تَسُدْ)!