د. جاسر الحربش
أقدم اعتذاري المصحوب بالتعليل عن مقال كتبته أثناء احتدام الحملة الإعلامية الشرسة ضد وطني المملكة العربية السعودية. افترضت حينها بناءً على المتوفر من الإعلام والإعلام المضاد أن المرحوم جمال خاشقجي افترسته الضباع التي اختار إدخال نفسه معها في صداقة. الصحفي جمال خاشقجي -رحمه الله- صادق بالفعل ضباعاً أجنبية متعددة معروفة بعدائها لوطنه، تحاول تعطيل أي سبق حضاري علمي في المنطقة قبل تحقيقه من قبل تلك الدول المعادية. الذي اتضح فيما بعد أنه قتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ولم تتكشف كل الحقائق بعد والتحقيق في ذلك مستمر.
على كل الأحوال مهما كانت، كمواطن سعودي جل اهتمامه هو بقاء وطنه سليماً معافى لأبنائه وأحفاده وأجياله القادمة، أعتبر أنني كنت تائهاً ومتوهاً بين إعلام خارجي أخطبوطي متعدد الأذرعة ومدلس شرس، وإعلام داخلي هزيل لا يسر الناظر ولا السامع. أتحدث عن نفسي، لم أكن قبل ظهور البيان الرسمي لأصدق أن يقتل مواطن (أو أي إنسان) في إحدى ممثليات المملكة العربية السعودية المكلفة أساساً بحماية الحياة والمصالح. غزارة التسريبات وتتابعها على مدار الساعة قبل انتهاء التحقيق في تركيا، وتوفير تسريبات لإعلام أجنداته الأساسية من قبل هي معاداة السعودية وتخريب الأمن العربي، بالإضافة إلى غض الطرف عن جرائم أعدائها المعدودة بالملايين من القتلى والمغتصبين والمشردين، ذلك كان السبب المنطقي لعدم تصديق ما تبين لاحقاً أنه الحقيقة المفجعة التي لم يسجل مثلها من قبل على السعودية.
الذي أعرفه عن دولتي مقارنة بأغلب دول العالم أنها توقف وتحقق وتسجن المعارضين المجاهرين بالمعارضة، لكنها لا تغتال ولا تقتل، وما زلت متأكداً من هذه الحقيقة. قتل المعارض المعادي يحدث في السعودية عندما يرفع السلاح في ميدان قتال صريح وفي مجالات الدفاع عن النفس والوطن. الذي أعرفه أيضاً ومتأكد منه أن السلطات الأمنية السعودية لا تعتدي على محارم المعارضين مثلما تفعل دول إقليمية وعربية وشرقية وغربية، وربما هي من الدول الأقل أو الوحيدة في ذلك.
لكنني للأسف أعرف أن إعلامنا السعودي رسمي أكثر من اللازم بما يشمل الإعلام الخاص والعام. كنت أعلل النفس باعتبار ذلك من لوازم المراحل والظروف إلى أن ينتهي تحييد الإرهاب وعملاء الأجندات الخارجية. من المؤسف أن محدودية سقف الإعلام السعودي أوصلت أصحاب الولاء الكاذب والمنتفعين إلى مراكز حساسة وضارة للحاكم والمحكوم والمستقبل، ليس لأنهم من أصحاب الكفاءات المهمة وإنما لإجادتهم التملق والتمصلح والتسلق على أكتاف الدولة والوطن.
اليوم نمر جميعاً بمرحلة حساسة اهتزت فيها مصداقيتنا (مؤقتاً فقط بعون الله) أمام دول وأنظمة صريحة العداء لنا، ولها حساباتها القومية والتوسعية في منطقة لم يبق منها مستقراً سوى بعض دول مجلس التعاون الخليجي. المرحلة تتطلب على كل المستويات حسن اختيار العقول والضمائر الحية المناسبة ورفع ما لا لزوم له من التحكم بها، لكي تستطيع خدمة الوطن والمواطن والدولة بإخلاص وشفافية. سمعة الوطن تتطلب تقديم كل من تسبب في هذه الأزمة إلى المحاكمة العادلة في أسرع وقت ممكن وقد قالت المملكة أنها ملتزمة بتقديم جميع المتورطين إلى العدالة.