كوثر الأربش
إلى والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى أبناء الفقيد، إلى عائلته، إلى كل سعودي، لأصدقائه ومحبيه في كل مكان. ببالغ الحزن، وبعد ليلة عصيبة، قضيتها بين الدموع والصدمة، أقدم تعازي صادقة ودعوات لا تتوقف بأن يتغمد الفقيد برحمته ويسكنه الفردوس الأعلى. ستبقيه هذه الأرض المباركة وأبناؤها الطيبون في ذاكرتها للأبد. وستبقى القلوب الصادقة تخفق لأجله، لأجله على الدوام.
كنتُ من هؤلاء الذين أحبوا السيد جمال، وكنت أنتظر بفارغ الصبر وبمنتهي الأمل أن نراه في دياره، وبين عائلته وأصدقائه. كنتُ، أيضًا، واحدة ممن أنتظر حل لغز اختفائه وتوقع ضلوع بعض الأعداء لبلادنا في ذلك. وواحدة ممن سرقت رقادهم الصدمة، بأنه غادر هذه الحياة بتذكرة ذهاب دون عودة، وبأيد سعودية. وهنا توقف كل شيء، هل تعرف شعورك لو صحوت من نومك، يوما ما على خبر مفجع، بأن أحد أبنائك الذين تحبهم، وقد كان قلبك يحوم حوله بالآمال الكبرى وأحلام الغد المتفائلة، بأنه في السجن! هكذا شعرت، وكانت أمومتي تنزف. وشعرت بأني غارقة في ضباب أسود وخانق. وأحسب أنني رأيت الجميع غارقًا بجواري في عمق الضباب والحيرة.
انجلت تلك الليلة المؤلمة، وانجلت معها المنغصات، وفكرت بجدية، أن أكتب لكل من اشترك معي في الصدمة، بأن ما حدث قد يحدث. هكذا وبكل ما تحمل العبارة من واقعية وألم في ذات الوقت. أعني، أن في كل زمن، في كل دولة، هناك أفرادًا يخطئون. أخطاء قد تكون عبارة عن اجتهاد غير صائب، أو أخطاء بدوافع إجرامية، ولكنها، ومهما اختلفت الأسباب ممكنة الحدوث. لكن ما ليس مألوفًا، أن يتم الاعتراف وبكل شجاعة، وتحمل مسؤولية الحدث، بل ومحاكمة الفاعلين. وهذا ما تنفرد به الدول الأعلى عدالة وشفافية. خذ مثلاً مجزرة السجناء السياسيين في إيران، التي تم فيها إعدام آلاف السجناء في عام 88م. ومازالت حتى الْيَوْمَ الحكومة الإيرانية تنكر ذلك وتتهرب من محاكمة الجناة. ما أريد قوله، وبكل وضوح، أنه علينا كسعوديين أن نعرف.
أولاً: أن الأخطاء الإدارية تحدث، وأن المناصب لا تدخل الشخص في عصمة نبوية، بل يبقى صاحب المنصب بشرًا، يخطئ ويصيب ويجتهد حينًا ويتقاعس حينًا آخر.
ثانيًا: أنه في مقابل بشرية المسؤول هناك رقابة دقيقة ومساءلة ومحاسبة شديدة من صاحب القرار، وأننا جميعًا في هذا العهد الميمون تحت هذه المساءلة، ولن ينجو مخطئ بعمله، مهما كان.
ثالثًا: أن لا ننجر وراء من يحاول الاصطياد في الماء العكر، مهما صدقت تكهنات بعض القنوات الإعلامية وبعض المرتزقة، هذا لا يعني، أنهم صدقوا وسيصدقون في كل شيء بعد ذلك. ستبقى تلك القنوات عدوة، وهؤلاء الكتاب خصومًا. والدليل الأكبر، أنهم، وبمجرد إعلان خبر وفاة المرحوم خاشقجي، حتى بدت مظاهر احتفالياتهم، ليس كما أن هناك رجلاً فارق الحياة، ليس كما أن هناك أسرة له، ما زالت مفجوعة.
رابعًا: الحياة هبوط وصعود، بالتتالي. وكما قال الرندي «من سره زمن ساءته أزمان». البلدان مثلنا نحن البشر، قد نتعرض لبعض المفاجآت والخيبات. لكن، علينا أن ندرك أن في كل بلاء هناك جانب رحمة ولطف إلهي. يدركه الحكماء فقط. خذ هذه القصة: احترق حي صغير في أحد أرجاء العالم، وتضررت بعض البيوت المتجاورة، كان من ضمنها بيت أم، وبيوت أبنائها وبناتها المتزوجين، مما اضطرهم للذهاب لبيتهم القديم في الريف. هناك وقفت الأم أمام أبنائها، بكل ثبات وبهجة، وقالت: صحيح أننا خسرنا بيوتنا، لكننا لم نكن سنجتمع معًا من جديد، كما كنّا في القديم، معًا، وبهذا القرب من بَعضنا البعض لو لم تشتعل النيران» نعم، هناك لطف ألهي، وقيادتنا الرشيدة أدركت ذلك فورًا، والأيام القادمة ستحمل الكثير من البشارات.
خامسًا: في هذه الأحداث المؤسفة علينا كسعوديين أن نتلاحم أكثر، ونلتف حول قيادتنا، مثلنا كنّا دائما، علينا أن نقف مع بلادنا، في الشدة والرخاء.
هذا.. وحمى الله بلادنا وقادتنا من شر كل ذي شر ومن كيد كل كائد.